سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 29 يناير 1965.. عاصفة غضب فى ألمانيا الغربية من عبدالناصر لدعوته زعيم ألمانيا الشرقية لزيارة مصر

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 29 يناير 1965.. عاصفة غضب فى ألمانيا الغربية من عبدالناصر لدعوته زعيم ألمانيا الشرقية لزيارة مصر
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 29 يناير 1965.. عاصفة غضب فى ألمانيا الغربية من عبدالناصر لدعوته زعيم ألمانيا الشرقية لزيارة مصر

كتب «فالتر أولبريخت» زعيم ألمانيا الشرقية إلى الرئيس جمال عبدالناصر برقية يوم 27 يناير عام 1965، يشكره على دعوته لزيارة مصر، فهبت العواصف فى ألمانيا الغربية، وحسب محمد حسنين هيكل فى كتابه «عبدالناصر والعالم» عن «دار النهار - بيروت» فى اليوم التالى «28 يناير» استدعى مستشارها «إيرهادر» مجلس وزرائه إلى اجتماع خاص وأصدر بيانا، وظهر البيان فى الصحف الألمانية والعالمية يوم 29 يناير «مثل هذا اليوم»، «وأبدى الأسف على هذه الزيارة واستنكارها، وعقدت فى مختلف أرجاء ألمانيا الغربية اجتماعات سياسية لمناقشة هذه الزيارة».

 

كانت ألمانيا وقتئذ تنقسم إلى دولتين هما «ألمانيا الغربية» التابعة للكتلة الغربية بزعامة أمريكا، و«ألمانيا الشرقية» التابعة للكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفيتى، وجاء هذا التقسيم نتيجة الحرب العالمية الثانية التى قسمت العالم كتلتين، غربية، وشرقية، وسعى الجزء الغربى من ألمانيا، إلى حكومات العالم لعدم الاعتراف بالجزء «الشرقى»، وحصره فقط فى دول الكتلة الشرقية، وفى هذا السياق يؤكد «هيكل»: «كانت زيارة «أولبريخت» هى الأولى له خارج الكتلة الشرقية، وكانت تستهدف الشرق الأوسط الذى كان يشهد الكثير من الأحداث، ومن ثم فقد ساد الاعتقاد بأن هذه الزيارة ستكون عواقبها خطيرة للغاية».

 

كان عداء مصر لإسرائيل هو الأصل فى هذه القضية التى شهدت تفاعلات ساخنة وهائلة، أدت إلى قطع علاقات مصر ودول عربية مع ألمانيا الغربية، واستخدام ورقة الاعتراف بألمانيا الشرقية، وهناك تفاصيل كثيرة فى القصة، تشمل كما يقول هيكل: «الاتفاق بين إسرائيل وألمانيا الغربية فى ديسمبر 1952 على أن تدفع الحكومة الألمانية لإسرائيل ثلاثة مليارات دولار فى 12 عاما، بحجة التعويض عن الجرائم النازية بحق اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، ويؤكد هيكل: «اهتز العالم العربى بسبب هذا الاتفاق، وكانت الجامعة العربية تحس بالمرارة لكنها لا تستطيع أن تفعل شيئا»، ويكشف أن «إيرهارد» صاحب المعجزة الاقتصادية الألمانية، حين زار القاهرة عام 1960، وكان نائبا لمستشارها «أديناور»، ناقشه عبدالناصر فى مسألة التعويضات، قائلا: «ما الذى يحتم أن ترث إسرائيل الضحايا اليهود الذين لقوا حتفهم على يد النازيين؟، إننا نفهم أن تكون ثمة تعويضات شخصية لأفراد وعائلات منفردة من اليهود، ولكن ما هو المبرر فى إعطاء أموال التعويضات لإسرائيل؟، ثم إنه ليس هناك من دليل على أن اليهود الناجين من ألمانيا النازية ذهبوا إلى إسرائيل، ذلك أن معظمهم هاجر إلى أمريكا وأوروبا الغربية».

 

تطورت القصة إلى ما هو أخطر وهو تعاقد إسرائيل على صفقة سلاح، بضغوط من الرئيس الأمريكى كنيدى على «أديناور» فى لقائهما نوفمبر 1961، ووفقا لهيكل: «رتبت الصفقة وتقرر بموجبها أن تحصل إسرائيل على اعتماد بستين مليون دولار تستطيع بموجبه الشراء من أى مكان، وبالرغم من احتياطات كنيدى وضماناته فإن قصة هذه الصفقة بدأت تتسرب، واستدعى الرئيس، السفير المصرى فى بون «جمال منصور»، والملحق العسكرى الضابط محمد أحمد صادق «وزير الحربية فيما بعد»، ويكشف «صادق» فى مذكراته بالأهرام «10 أغسطس 2010» عرض «عبده مباشر»، كيف توصل باليقين إلى بدء تنفيذ هذه الصفقة وإبلاغ مصر بها.

 

تولى صادق منصب الملحق الحربى فى ألمانيا ورئيس مكتب المخابرات فيها من 1962 إلى 1964، مؤكدا أنه بعد استلام مهام عمله فى العاصمة «بون» بدأ فى نسج علاقاته داخل المجتمع الألمانى مع عسكريين سابقين وحاليين، ورجال صناعة وبرلمان، وذلك بحثا عن المعلومة، ويكشف أنه فى زيارة له إلى القاهرة طلبه الفريق سليمان عزت قائد القوات البحرية وفى لقائهما أخبره «عزت» بأنهم يبنون غواصة «جيب» وينقصهم جهاز، وطلب منه ترشيح خبير ألمانى يمكنه أن يقود فريق العمل المصرى فى بناء الغواصة.

 

عاد «صادق» إلى ألمانيا، وتذكر أن ممن تعرف عليهم نقيب بحرى يدعى «إيرهارد»، ويعمل فى سلاح البحرية الألمانية، بالرغم من أنه فقد إحدى عينيه، ويكره اليهود بشدة، فدعاه إلى العشاء، ومعه زوجته كى يفاتحه فى موضوع الغواصة، ويؤكد صادق: «أفرط الضابط فى احتساء مشروبه المفضل «شابس»، فوصل إلى مرحلة السكر وظهر وجهه النازى، وأفاض فى حديثه عن هتلر، وتركته يتحدث، ورأيته وهو يواصل حديثه أن أفاتحه فى عالم الغواصات بصفته خبيرا، فإذا به ينتفض غاضبا ويخاطبنى بأسلوب حاد: «جنرال صادق يجب أن تعلم أننى عارضت حتى النهاية تزويد إسرائيل بغواصات أو دبابات أو أى أسلحة ألمانية، وطرحت حججى أمام القيادة الألمانية، ونجحت فى عدم تزويد إسرائيل بالغواصات، أما بالنسبة للدبابات والمدافع والسيارات فلم أوفق، والقوات البحرية ستقوم بتسليم إسرائيل زوارق بحرية سريعة، أما عن تسليم باقى الأسلحة الخاصة بالقوات البرية لا أعلم عنها شيئا».

كان الأمر مفاجئًا لصادق، وللقصة بقية.



 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع