سنة إيران.. مهاجرون بلا أنصار.. حلم أهل السنة فى بناء مسجد بـ"طهران" يتجدد مع كل رمضان.. خسروا رهانهم على "روحانى" ويأملون فى امتيازات "المرشد".. وزعيمهم الممنوع من السفر يتساءل: متى يثقون بنا؟

سلطت دعوات بعض المسئولين فى إيران العلنية لضرورة بناء مسجد لأهل السنة فى العاصمة طهران التى تحتوى على المئات من الحسينيات ومساجد الشيعية وكنائس المسيحية والمعابد الزراتشتية واليهودية وانعدم وجود مسجدا واحد لأكبر ثانى طائفة فى الجمهورية الإسلامية بعد الطائفة الشيعية، الضوء على أبرز المشكلات والتحديات التى تواجهها ومعاناتها فى إقامة طقوسها الدينية خاصة فى شهر رمضان على غرار صلاة التراويح إضافة إلى صلوات عيدى الفطر والأضحى.

أين يتركز أهل السنة فى إيران؟

يعد أهل السنة والجماعة من السكان الأصليين فى إيران، حيث تشير إحصائيات غير رسمية إلى أن تعدادهم أقل قليلا من 20 مليون نسمة من مجموع سكان إيران البالغ عددهم 80 مليون نسمة، ويقطنون المناطق والمحافظات الحدودية من البلاد، سواء فى الجنوب أو الشرق أو الغرب أو الشمال، أو الشمال الغربى من البلاد، ويتركزون فى محافظات، هى :محافظة سيستان وبلوشستان (جنوب شرق إيران) ومحافظات خراسان الجنوبية والرضوية والشمالية (شرق وشمال شرق إيران) ومحافظات كلستان وكيلان وأردبيل (فى الشمال) ومحافظة آذربايجان الغربية (شمال غرب) ومحافظتي كردستان وكرمانشاه (غرب) محافظات هرمزكان وفارس وبوشهر (جنوب وجنوب غرب) وكذلك يوجد بعض أهل السنة فى محافظة خوزستان. وكذلك يسكن بعض أهل السنة فى المدن الكبرى فى المحافظات المركزية ويعيش أكثر من مليون سنى فى العاصمة طهران، وينتمون إلى معظم القوميات والعرقيات التى يتكون منها شعب إيران، من البلوش والفرس والأكراد والآذريين والتركمان والعرب.

اهل السنة فى ايران

 

أهل السنة فى إيران

معاناة علماء السنة فى إيران

رغم أن الدستور الإيرانى فى مادته الـ 12 تنادى باحترام اتباع المذاهب الأخرى والتى تضم المذهب الحنفى والشافعى والمالكى والحنبلى والزيدى والاعتراف بهم وأعطى أتباع هذه المذاهب مجموعة من الحقوق، منها: حرية أداء مراسمهم المذهبية حسب فقههم، فضلا عن اعترافها بأن المذهب الرسمى هو المذهب الشيعى الإثنى عشرى، إلا أن هناك العديد من الشواهد تؤكد وجود ممارسات تعسفية ضد السنة وعلماءهم، حيث عانى أبرز علماء السنة من قيود فرضت عليهم من قبل السلطات، ففى أكثر من مناسبة، ندد الشيخ مولوى عبد الحميد إسماعيل خطيب أهل السنة، بعدم استجابة السلطات لمطالبهم، بل وفرض قيود عليه ومنعه من السفر إلى خارج إيران بل وإلى بعض الأقاليم داخل إيران.

ويتولى مولوى رئاسة جامعة دار العلوم بمدينة زاهدان، ورئاسة منظمة اتحاد المدارس الدينية فى بلوشستان والمجمع الفقهى فى إيران، وفى فبراير 2017 منعت السلطات الإيرانية الشيخ عبد الحميد من السفر إلى إقليم خراسان للمشاركة فى جنازة أحد علماء أهل السنة، كما منع من السفر إلى دولة قطر 5 مايو الجارى، وأخرجت هذه القيود الزعيم السنى عن صمته، وخاطب مولوى فى إحدى خطب الجمعة السلطات قائلا "متى سيثقوا بنا"، كما طرق مرات عديدة أبواب المرشد الأعلى، وفى رسالة مفتوحة وجهها إلى على خامنئى سبتمبر العام الماضى طالبه فيها بإنصاف "الأقلية" السنية، وخاطب خامنئى صراحة قائلا "أهل السنة لا يزالون يعانون من التمييز وعدم المساواة فى العديد من المؤسسات الحكومية".

وبخلاف التعسف، ينال المتشددين داخل إيران من رموز أهل السنة ويسعون دوما لاستفزاز مشاعرهم، رغم الفتوى الذى أصدرها المرشد الأعلى فى عام 2009 حرم فيها الإساءة للمقدسات بين أهل السنة والشيعة، وفى إحدى الوقائع تعرض برنامج يبثه التلفزيون الإيرانى الرسمى فى أغسطس عام 2016 للإساءة للصحابيين طلحة والزبير بن العوام، الأمر الذى دفع نواب الكتلة السنية فى البرلمان للإحتجاج واحتج 20 نائبا، ووقعوا على عريضة لتقديمها إلى وزير الثقافة، طالبوه فيها بمحاسبة المسيئين والتصدى للإساءات لرموز أهل السنة واتخاذ خطوات صارمة تجاه منتج ومخرج البرنامج.

كما يواجه السنة بعض المشكلات والمضايقات فى إقامة صلاة العيدين والجمعة فى مناطق يعيشون فيها كأقليات مثل مراكز المحافظات المركزية، ويواجهون مضايقات أحيانا فى تلك المدن حول افتتاح المصليات لإقامة الصلاة، ففى يوليو 2016 تم منع أهل السنة من إقامة صلاة عيد الفطر فى بعض المناطق، ومنعوا من إقامة صلاة العيد فى مسجد تهرانبارس بالعاصمة طهران ومسجد صالحية بمدينة إسلامشهر.

وبخلاف ذلك يعانى أهل السنة من الحرمان من الوظائف الحكومية وتكاد تكون نسبتهم معدومة، ويشغل المناصب الرسمية الرفيعة أفراد من طائفة الشيعة فى أماكن الأغلبية السنية.

مسجد أهل السنة فى زاهدان

مسجد أهل السنة فى زاهدان

مطالب وتحديات أهل السنة

وتأتى أبرز مطالب أهل السنة والتى رفعها أبرز زعماء السنة من أمثال الشيخ مولوى عبد الحميد إسماعيل خطيب أهل السنة، وجليل رحيمي جهان آبادى نائب الكتلة السنية، والمتمثلة فى أولا: ضرورة بناء مسجد لأهل السنة فى طهران، ثانيا: ضمان الحريات الدينية، ليتمكن أهل السنة من إقامة صلواتهم فى أى مكان دون مضايقات أمنية، ثالثا: الاستفادة من طاقات شباب أهل السنة وتوظيفهم فى المناصب العليا بالحكومة والمحافظات وعدم تهميش نخبهم، رابعا: التعامل مع جميع المواطنين بعيدا عن الاعتبارات الأيديولوجية والمذهبية، خامسا: تعديل الدستور الإيرانى الذى يحظر أهل السنة من الترشح لمنصب الرئاسة. وفى مايو 2017، أكدت جماعة الإسلام السياسى السنية "الدعوة والإصلاح"، على تلك المطالب وشددت على المساواة فى تنمية المناطق التى يقطن فيها السنة، وإرساء مبدأ المواطنة، والتوزيع العادل للإمكانيات والثروات، وتغيير السياسة الأمنية فى التعامل مع المناطق الحدودية والكف عن الاستفزازات والنيل من رموز السنة.

ورغم المطالبات التى يرفعها دوما السنة لرؤساء إيران المتعاقبين لتحسين أوضاعهم، إلا أنها تدرك جيدا أن الرئيس فى هذا البلد لا يمتلك صلاحيات تمكنه من حل كافة مشكلاتهم، على نحو ما أشار، سيد أحمد هاشمي المسئول البارز بجماعة الدعوة والإصلاح السنية فى تصريح له فى مايو العام الماضى، قائلا "إن ما ينتظره السنة من الرئيس هو منحهم حقوق المواطنة المتساوية "كباقى الإيرانيين.. ولفت المسئول السنى إلى أن الرئيس لا يمتلك الصلاحيات اللازمة لحل ما يعانيه السنة، قائلا "نعم روحانى أنجز بعض الأمور لأهل السنة، وفى بعض القضايا لم ينجزها أو أنه لم يستطع إنجازها".

وشكلت انتخابات مايو 2017 الرئاسية فى إيران نقطة فارقة فى تأثير الكتلة السنية على المشهد السياسى الداخلى، حيث برز ثقلها بقوة فى دعم الرئيس روحانى والوقوف إلى جانبه عاقدة آمالها بأن يحقق الرئيس المعتدل مطالباتها ولعبت دورا كبيرا فى إعادة انتخابه لولاية ثانية، وهنا برزت التحديات التى واجهت هذه الطائفة منذ فوز الرئيس الإيرانى، المتمثلة فى  استغلال الأخير لطاقاتها العددية ومنحها العديد من الوعود على غرار السعى لتنفيذ مطالبها وتحقيق المساوة بينها وبين الطوائف الأخرى ومنحها المناصب والحقائب الوزارية ووو... إلخ، غير أن ذلك لم يتحقق فعليا، فبمجرد أن صعد روحانى، تناسى وعوده، وتم إقصاء أبرز القيادات السنية من حضور مراسم أداء اليمين الدستورى للرئيس يوم الـ 5 من أغسطس العام الماضى، الأمر الذى تسبب فى موجة كبير من الانتقاد بين النخب الإيرانية لروحانى وفريقه، ليس هذا فحسب بل أسقط روحانى أهل السنة من حسابات حكومته بعد أن وعدهم بمنحهم حقائب وزارية وهو ما لم يتحقق.

عبد الحميد

عبد الحميد

دعوات لإنشاء مسجد للسنة فى العاصمة

ومؤخرا تعالت الأصوات السنية والشيعية داخل إيران مطالبة ببناء مساجد للأهل السنة والجماعة، وكتب عضو مجلس بلدية العاصمة الإيرانية محمد جواد حق شناس مناشدة ورسالة مفتوحة على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى تويتر، يدعو فيها لضرورة بناء مسجد لأهل السنة فى العاصمة الإيرانية.

وقال شناس، فى تغريدتين "إن وجود مسجد لائق يتناسب مع مواطنين من الأكراد والبلوش فى عاصمة جمهورية إيران الإسلامية ليس مطلبا كبيرا". وأضاف شناس: "يوجد فى شارع 30 يوليو، وعلى مسافة قريبة، مسجد وكنيسة وکنیس یهودي ومعبد للزرادشتيين جنبا إلى جنب، والأجدر أن نكون رحماء بإخواننا فى الدين (فى إشارة إلى أهل السنة)".

وتابع شناس، وهو أيضا رئيس سابق للإدارة السياسية فى وزارة الداخلية: "يوجد أكثر من 3000 مسجد فى طهران، ولعدم الشعور بالتمييز، يجب توفير مساجد فى العاصمة للمواطنين السنة".وتابع المسئول الإيرانى قائلا: "اليوم توجد مساجد للشيعة مع الخطباء منهم فى مناطق الأغلبية السنية، مثل كردستان، بلوشستان، صحراء التركمان، جزيرة قشم وبندر لنجة".

دعوة عضو بلدية العاصمة لم تكن الأولى، فقد سبقتها دعوات متعددة تندد بأوضاع أهل السنة وتطالب بأقل حق من حقوقهم المدونة بدستور هذا البلد الذى يعترف بهذه الطائفة  كمكونا أساسيا ضمن المكونات الدينية المختلفة للجتمع الإيرانى، وفى الثانى من مايو الجارى، طالب رئيس الكتلة السنية فى البرلمان الإيرانى ببناء مسجد لهم فى العاصمة، على نحو ما ذكره فى مقابلة مع وكالة إيلنا، يرغب السنة فى امتلاك مسجد لهم فى العاصمة لأداء الصلاة فيه.

وخلال المقابلة عرض المسئول الإيرانى المشكلات التى تعانى منها هذه الطائفة قائلا: لدينا مشكلات أساسية، وهى أننا لدينا "حق العبادة وبناء المساجد فى المدن أو المناطق التى يعيش فيها أهل السنة لا سيما مدينة طهران، فضلا عن شغل أهل السنة للوظائف، وأوضح أن السنة فى إيران يفتقدون المناصب وفرص العمل بسبب المسائل المذهبية، وتابع "ليست هناك استثناءات وقيود فى الدستور الإيرانى لتوظيف أهل السنة إلّا فى منصبى ولاية الفقيه ورئاسة الجمهورية، لكن فى سائر المناصب لا توجد قيود ولا استثناءات، ورغم ذلك لا يتم توظيفهم.

وبحسب نائب كتلة السنة فى البرلمان الإيرانى، فأنه فى الكثير من المناطق مثل خراسان، لا يوجد حاكم واحد للمدينة من بين أهل السنة، وأشار رحيمى إلى أنه وجه رسالة تنبيهية مؤخرا إلى الرئيس حسن روحانى لاختيار كفاءات أهل السنة فى إدارة شئون البلاد.

فى النهاية تلك الدعوات والمناداة بالمطالب فى الكثير من الأحيان لا تجد لها أذانا صاغية داخل إيران، فلطالما تقوم التوجهات وسياسة الدولة على عدم تغيير الوضع القائم خشية أن تقوى جماعة السنة اقتصاديا وفكريا وثقافيا وتقوى شوكتهم ويبرز دورهم ويصبح لهم أنصار فى الخارج والداخل مما سيثير المخاوف لدى خصومهم من الأغلبية الشيعية.


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع