سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 1 يناير 1956.. إسماعيل الأزهرى يعلن استقلال السودان ويرفع علمها المثلث الألوان فى البرلمان

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 1 يناير 1956.. إسماعيل الأزهرى يعلن استقلال السودان ويرفع علمها المثلث الألوان فى البرلمان
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 1 يناير 1956.. إسماعيل الأزهرى يعلن استقلال السودان ويرفع علمها المثلث الألوان فى البرلمان

كانت الساعة التاسعة صباحا يوم 1 يناير، مثل هذا اليوم، 1956، حين أعلن رئيس الوزراء السودانى إسماعيل الأزهرى مولد جمهورية السودان المستقلة..قال «الأزهرى» أمام البرلمان: «ليس أسعد فى تاريخ السودان وشعبه من اليوم الذى تتم فيه حريته ويستكمل فيه استقلاله، وتتهيأ له جميع مقومات الدولة ذات السيادة، ففى هذه اللحظة الساعة التاسعة تمامًا من اليوم الموافق أول يناير 1956 ميلادية، 18 جماد الثانى سنة 1275 هجرية، نعلن جمهورية السودان الأولى الديمقراطية المستقلة، ويرتفع علمها المثلث الألوان ليخفق على رقعته وليكون رمزًا لسيادته وعزته، وإذا انتهى بهذا اليوم واجبنا فى كفاحنا التحريرى فقد بدأ واجبنا فى حماية الاستقلال وصيانة الحرية وبناء نهضتنا الشاملة التى تستهدف خير الأمة ورفعة شأنها، ولاسبيل إلى ذلك إلا بنسيان الماضى وطرح المخاوف وعدم الثقة، وأن نواجه المستقبل كأبناء أمة واحدة».

 

وأضاف الأزهرى: «لا يسعنا فى هذه المناسبة إلا أن نمجد هذا الشعب الأبى على حيويته وإيمانه وجهاده الذى أثمر الثمرات، وأرى واجبًا علىَّ فى هذه اللحظة التاريخية أن أزجى الشكر إلى جمهورية مصر وحكومة المملكة المتحدة اللتين أوفتا بعهدهما، وقامتا بالتزاماتهما التى قطعتاها على نفسيهما فى اتفاقية فبراير 1953، وهما اليوم فى هدوء وبنفس راضية تطويان علميهما اللذين ارتفعا فوق أرض هذا البلد ستة وخمسين عاما ليرتفع فى مكانيهما عاليا خفاقا علم السودان الحر المستقل».

 

وقال محمد أحمد المحجوب زعيم المعارضة: «لو كانت مقاعد مجلس النواب موضوعة على الشكل الذى يسمح لنا أن نجلس اليوم فى صف واحد حتى تختفى الحدود والتقاسيم الحزبية لما ترددنا فى ذلك لحظة واحدة، وأرجو يا سيدى الرئيس أن تسمح لى أن يعلن هذا المجلس اليوم على العالم أجمع أن السودان قد أصبح دولة مستقلة ذات سيادة كاملة».

 

بالرغم من أن القراءة التاريخية المنصفة تؤكد أن هذا الحدث حتمية تاريخية وجغرافية، إلا أن بكائية مصطنعة يفعلها البعض حول ما يزعمونه بتفريط ثورة 23 يوليو فى السودان، وكأن هذا البلد الشقيق فى نظرهم كان محافظة مصرية.

 

جاء الحدث بعد توقيع اتفاقية بين مصر وبريطانيا يوم 12 فبراير 1953، تعطى السودانيين حقهم فى تقرير مصيرهم، وذلك بعد مفاوضات 4 شهور، بتأكيد محمد حسنين هيكل فى كتابه «ملفات السويس»، موضحًا أن جلساتها الأولى بدأت 22 أكتوبر 1952 فى مجلس الوزراء المصرى، مقر عمل اللواء محمد نجيب، رئيس مجلس قيادة الثورة، وترأس الوفد البريطانى السفير فى مصر «رالف ستيفنسون»، الذى جدد تمسك حكومته باتفاقية الحكم الثنائى عام 1899، ففاجأهم «نجيب» بقنبلة، هى حسب نص محضر المفاوضات: «هدفنا هو تحرير السودان من أى نفوذ أجنبى، وسواء اتحدنا أوانفصلنا فإن مالنا واحد ومصيرنا لبعضنا، وفى كل الأحوال فإن مصر تطالب للسودانيين بحقهم فى تقرير مصيرهم، فإذا قرروا بعد ذلك الوحدة معنا فمرحبا، وإذا قرروا الاستقلال فهذا حقهم».

 

ساند «عبدالناصر» هذا التوجه، بتأكيد محمد فائق رئيس دائرة الشؤون الأفريقية فى رئاسة الجمهورية، قائلا فى كتابه «عبدالناصر والثورة الأفريقية»: «خرج عبدالناصر عن طريق سار فيه الزعماء الوطنيون والحكومات السابقة قبل الثورة يطالب بسيادة على السودان، وحق ضمه إلى الأرض المصرية، بل إن الملك فاروق أعلن نفسه ملكا على مصر والسودان..أراد عبدالناصر لأى رابطة تقوم مع السودان أن تكون برغبة شعبية، وليست استنادًا إلى حقوق مكتسبة من التاريخ أو حق الفتح كما كان يطالب البعض، ورأى أن هذه الاتفاقية تضمن تصفية الوجود البريطانى فى السودان، وهذا هو ما كان يريده فى المقام الأول، فبقاء القوات البريطانية يهدد أمن وسلامة مصر»..يذكر«هيكل»:«كان هناك من يطالبون بملكية مصر للسودان على أساس الفتوحات العسكرية لمحمد على باشا «عام 1820»، أو حملات استكشاف منابع النيل فى عصر إسماعيل، ونسى هؤلاء أن أحكام القرن التاسع عشر تختلف عن القرن العشرين».

 

 كانت اتفاقية الحكم الثنائى للسودان بين مصر وبريطانيا عام 1899 نتيجة للاحتلال الإنجليزى لمصرعام 1882، وحسب صلاح سالم، مسؤول ملف السودان بعد ثورة يوليو، فى مذكراته: «أدت لأن تصبح سلطة مصر، مظاهر، شكليات، قشور، كلها لا تقدم ولا تؤخر من حقيقة أن السودان انفصل منذ عام 1899 وأصبح إنجليزيا».. يؤكد محمد فؤاد شكرى فى كتابه «مصر والسودان»: «أعطت الاتفاقية لبريطانيا سلطة تعيين الحاكم العام للسودان، ولا يسرى على السودان أى قرار تصدره الحكومة فى مصر». 

 

أحست بريطانيا بخسارتها باتفاقية 12 فبراير 1953.. يذكر«هيكل» أن «روبرت هاو» الحاكم العام للسودان رفع مذكرة لوزير خارجيته، تظهر صدمته..قال: «من المهم جدا أن نقيم احتفالات واسعة هنا فى السودان، بمناسبة توقيع اتفاقيتنا مع مصر، إن هدفنا بهذه الاحتفالات الكبيرة أن نؤثر على السودانيين، ولا نتركهم للانطباع السائد الذى يظهر لهم أن مصر حققت انتصارا علينا، واقترح أن نعلن يوم الاتفاقية إجازة رسمية، ونرتب موكبا واحتفالات يبدو منها أننا فرحون بما أمكن التوصل إليه».

 


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع