بوابة صوت بلادى بأمريكا

زيارة تاريخية.. كيف تقدم الجولات الخارجية لـ"رأس" الكنيسة الكاثوليكية صورة "البابا المغامر"؟.. فرنسيس يقتحم مناطق التوتر ويتحدى كورونا عبر العراق.. ويعزز انفتاح الفاتيكان تحت شعار "الإنسانية تتجاوز الأديان"

زيارة هامة، يقوم بها بابا الفاتيكان، البابا فرنسيس إلى العراق، تحمل فى طياتها أبعادا عدة، منها ما هو سياسى، إذا ما نظرنا إلى الرجل باعتباره رئيس الدولة الأصغر في العالم، بينما يبقى بعدها الدينى، أهم ملامحها، كـ"رأس الكنيسة الكاثوليكية"، فى الوقت الذى يفرض فيه توقيت الزيارة العديد من التساؤلات حول أهدافها، خاصة مع تزايد المظاهرات فى الداخل العراقى، ناهيك عن التوتر الدولى المحيط، بها، في نطاقها الإقليمى، في ظل التنافس الكبير بين القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا بالإضافة إلى الصين، وكذلك القوى الإقليمية، وعلى رأسها إيران وتركيا، للسيطرة على بلاد الرافدين، في المرحلة الراهنة، وهو ما ساهم بصورة كبيرة في تفاقم حالة عدم الاستقرار في الدولة، التى مازالت تعانى جراء تواتر الحروب، وصراعات النفوذ منذ عقود طويلة من الزمن.

المنافسة للسيطرة على العراق، لا تقتصر في نطاقها، على الجانب الدولى التقليدي، في إطار نظرية الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، من بوابة بغداد، وإنما تمتد إلى صراع يبدو جديدا نوعا ما، في ظل رغبة الميليشيات المتطرفة، في إحكام سيطرتها، على المدن العراقية، بين داعش التي تسعى بقوة للعودة إلى المدن ذات الأغلبية السنية، من جانب، والتنظيمات ذات المرجعية الشيعية، والتي تحاول فرض كلمتها على الداخل العراقى، وهو الصراع الذى يغذيه تداخل القوى الدولية على الجبهة العراقية في المرحلة الراهنة، حيث تبقى الميليشيات هي أحد أدوات القوى المتنافسة، وخاصة إيران وتركيا، للهيمنة على مقدرات العراق وثرواته.

البابا "المغامر".. فرنسيس يتجاوز كورونا والتهديدات الأمنية

ولعل التزامن بين زيارة البابا فرنسيس، وذروة تفشى فيروس كورونا في العراق، في الأيام الحالية، هو أحد أبرز المعطيات التي ينبغي النظر إليها بمزيد من الاهتمام، حيث رفض "الحبر الأعظم" تأجيلها إلى ما بعد "انحسار" الموجة الثانية، بينما لم يثنيه عنها إصابة سفيره في بغداد بالفيروس، وهو ما يمثل انعكاسا صريح لرغبته في إتمام الزيارة، رغم ما يحيط بها من مخاطر، لا تقتصر في نطاقها على الجانب الأمني، في ضوء الاحتجاجات، والهجمات الإرهابية التي تطلقها الميليشيات، بل وتمتد إلى الجانب الصحى، في ضوء المخاوف المرتبطة بتفشى الفيروس القاتل.


استعدادات العراق لاستقبال بابا الفاتيكان

وهنا تصبح زيارة البابا فرنسيس إلى بغداد، دربا من "المغامرة"، إلا أنها في حقيقتها، ليست الأولى من نوعها، فقد سبق له، منذ اعتلائه "العرش" الباباوي، القيام بمثل هذه المغامرات، عبر زيارات متواترة إلى العديد من مناطق التوتر حول العالم، فقد سبق له وأن زار العديد من مناطق التوتر، وعلى رأسها زيارته الشهيرة لجمهورية إفريقيا الوسطى، والتي تشهد بين الحين والأخر موجات من العنف الطائفى، بينما حرص كذاك على زيارة ميانمار، ليدعو القادة البوذيين إلى نبذ العنف، بينما التقى بمسلمى الروهينجا خلال نفس الرحلة، ولكن في بنجلاديش، ليدعوهم إلى التسامح الدينى.

وبالتالي ارتبطت جولات البابا فرنسيس، باقتحام العديد من مناطق التوتر حول العالم، بهدف تقديم رسالة "السلام" العالمى، والتي تمثل جزءً لا يتجزأ من الرؤية الروحية للكنيسة الكاثوليكية، باعتبارها مؤسسة دينية مسيحية من جانب، بينما تحمل كذلك أهدافا أخرى، ربما أبرزها تحقيق الانفتاح على العالم، عبر الانغماس المباشر من قبل رئيسها في القضايا الشائكة، التي باتت تهيمن على الساحة الدولية، وهو ما تترجمه زياراته أحيانا، وتصريحاته أحيانا أخرى، والتي طالما ركزت على أوضاع اللاجئين، ومسألة الانتشار النووي وغيرها من القضايا ذات الأبعاد السياسية.

إرث بنديكت.. فرنسيس يتبنى سياسة "الانفتاح" على الإنسانية

دبلوماسية البابا فرنسيس ساهمت إلى حد كبير في تحقيق الانفتاح الكاثوليكى على العالم، ليقوض "إرث" سلفه بنديكت ، والذى ساءت علاقته بمناطق واسعة حول العالم، بسبب نزعته المحافظة، وتصريحاته غير المحسوبة في الكثير من الأحيان، والتى أدت إلى "انغلاق" الكنيسة، بل ومقاطعتها في بعض الأحيان، بسبب موقفه من الديانات الأخرى، وهو ما أدى إلى توقف الحوار بين الأزهر والكنيسة الكاثوليكية، خلال حقبته، قبل أن يعود مجددا، بعد تولى البابا الحالي السدة الباباوية، في عام 2013.


البابا بنديكت ساهم فى انغلاق الكنيسة الكاثوليكية

ولكن انفتاح فرنسيس، فى حقيقته تجاوز "الديانات الإبراهيمية"، عبر التواصل مع قادة الديانات الأخرى، وأبرزها البوذية، بينما انطلق بعد ذلك إلى ما هو أبعد من الدين، عبر تبنى مواقف سياسية تجاه قضايا، أو بالأحرى تهديدات صريحة تواجه العالم، وعلى رأسها مسألة الانتشار النووى، عبر زيارته الشهيرة إلى مدينتى هيروشيما ونجازاكى، خلال زيارته لليابان، فى نوفمبر 2019، ليطلق منهما دعوته إلى ضرورة احتواء الخطر النووى الذى يمثل تهديدا صريحا للبشرية.

معاناة المسيحيين.. فرنسيس يسعى لقديم دعم "متأخر" للعراق

وهنا تصبح زيارة البابا فرنسيس إلى العراق فى التوقيت الحالى، بمثابة امتداد لحالة الانفتاح الإنسانى التى يسعى إلى تحقيقها، في ضوء معطيات، ربما تحمل بعدا منها، إذا ما نظرنا إلى معاناة المسيحيين فى المدن العراقية لسنوات، بسبب انتشار الجماعات الإرهابية، وهو ما أدى إلى هجرة الملايين منهم إلى خارج البلاد، ولكن تبقى هناك العديد من الأبعاد الأخرى، أبرزها تقديم رسالة جديدة من شأنها المساهمة فى تحقيق الاستقرار المجتمعى وتشجيع الحوار بين مختلف الأطياف في المجتمع العراقى، وذلك لإنهاء حالة عدم الاستقرار التى تهيمن على البلاد.

إلا أن زيارة بلاد الرافدين تحمل كذلك محاولة أخرى لإصلاح ما أفسده الأسلاف، وهو ما تترجمه تصريحاته الأخيرة ردا على سؤال حول الدافع وراء الزيارة في التوقيت الحالى، رغم خطورته، حيث أكد أنه لا ينبغى "خذل" الناس مرة أخرى، فى إشارة إلى عدم تمكن البابا الراحل يوحنا بولس الثانى، من القيام بزيارة كانت مرتقبة للعراق فى عام 2000، وهو ما يعنى أن الزيارة لها دلالات مهمة، تدور فى معظمها حول دور مهم للكنيسة الكاثوليكية فى دعم الدولة التى تعانى جراء ويلات الحروب منذ عقود طويلة من الزمن.

 


هذا الخبر منقول من اليوم السابع