د. علي زين العابدين الحسيني يكتب : رسالة إلى صديقي

د. علي زين العابدين الحسيني يكتب : رسالة إلى صديقي
د. علي زين العابدين الحسيني يكتب : رسالة إلى صديقي
أعزّ الله صاحبي الماجد الوفيّ
تسعدني تلك اللحظة الشعورية حينما ترسل لي برسالة تحمل في طياتها الأخوة الصادقة، فتبدي فيها مشاعر التقدير، وتستجلب فيها الذكريات الجميلة، وتستحضر عبارات الثناء، ويزداد جمالها لديّ حين أدرك أنّها رسالةٌ لصديقين لم يعد بينهما أيّ شيء من متعلقات الدنيا، فهذه حقاً الصحبة النادرة، وأصحابها هم أرباب الوفاء، فالحرص على أمثالهم يتعين، والابتعاد عن ذوي اللحظة من الصداقات يستلزم؛ إذ لا خير فيهم. أجل، لا خير فيهم؛ لأنّهم لا خير لأنفسهم في أنفسهم، فلغيرهم أولى. أكرر شكري وامتناني لك أيّها الصديق الحميم، وأنا في حقيقة أمري مفتقرٌ إليك، متطلعٌ إلى نشوة حديثك، ومترقبٌ برغبةٍ بهجة أنسك، وأعول دائماً على نصائحك، فأنت أقرب أصحابي مِن قلبي، وآخذهم بمجامع هواي، حلمك -منذ عرفتك- مألوف، وكرمك معروف، وخلقك مستحسن، وقلبك نقي، ولسانك صدوق، وفطرتك سليمة، وأخلاقك علية، وأفعالك أصيلة، لا غرو أن صورتك في مخيلتي، وذكرك ملصق بلساني، وذكرياتي معك ماثلة بين عينيّ، ومآثرك منطبعة في ضميري، ومهما بالغتُ في الثناء لا أفيك حقك عليّ، ولا أقوم بأعباء جميلك لي، وإنّا وإن كنّا في الظاهر على بُعد إلا أننا في الباطن على تلاق، فلا يضر افتراق الأجساد ما دامت الأرواح مجتمعة، وكم من أناس اجتمعت صورهم، وتنافرت قلوبهم، ولئن تخلفتُ في بعض المناسبات عن التواصل معك بالعذر الواضح من تقلب الأحوال فما أغفلَ لساني سؤالاً عن خبرك من عارفيك، فنحن في الحياة متباينون، وفي المعاني متواصلون، وأنا في هذه الدنيا غني إلا عنك، شاكر إلا منك، ولستُ أسفاً على شيء إلا على غيبتك، ثم تيقن أن ذهاب أيامك العزيزة معنا كغياب شمس السماء عنا، وفي شوق تامٍ لرؤيتك، والاستئناس بمجالستك، فأنت حلية الأيام، وتحفة الوفاء، وجنة الخلد في الأرض، وثق أن شجرة محبتك لم تنقطع يوماً في قلبي، فلا تستطيب نفسي إلا معرفة أحوالك، حتى إذا ما اطمأنت على سلامتك وسماع أخبارك شعرت بأن ماء الحبّ قد استقرّ في مقره، فتهدأ نفسي، وتستقر حياتي، ولقد توحشت من انقطاعك بسبب فيروس "كورونا" توحشاً ما عليه مزيد، فعدمت مَن كنت آنس إليه، وأسترشد بكلامه، ولي أن أخبركَ أنّ هذه الرسائل المتبادلة بيني وبينك إنّما هي شفاءٌ عاجل متجدد للوعات الفؤاد من فراقك، وأما إحياء النفس فلن يكون إلا بلقائك المؤنس الذي أنتظره بفاقد الصبر، فعسى أن يكون قريباً، لا برحتَ مقصداً لجلب الأفراح وذهاب الأحزان، ومورداً صافياً لجميع المسرات.
 هذه لحظة قلبية خطتها أناملي لكَ جاءت على غير موعد، وهي وإن لم تكن منقحة أو مكتملة أو لائقة بك كما ينبغي لكثرة الشواغل وتعدد الشواغب إلّا أنّ العبرة بالمقاصد والبواطن، دامت المحبة بيننا في كافة المواطن.
أيها الصديق الحبيب
هنأ الله أيامك، وطيّب فؤادك، وبلغك مرادك، وأسعدنا بأوبتك، وأنار ظلام أيامنا بعودتك، وشمل سرورنا بانقطاع غيبتك!
جد عليّ برضاك السامي، وأتحفني بأخبارك، وتكرم ببشائرك، والسلام.