د.محمد فتحي عبد العال يكتب : تاريخ حائر بين بان وآن الحلقة الثالثة الجزء الأول .. رجال لم تخبرك عنهم حصص التاريخ

د.محمد فتحي عبد العال يكتب : تاريخ حائر بين بان وآن الحلقة الثالثة الجزء الأول .. رجال لم تخبرك عنهم حصص التاريخ
د.محمد فتحي عبد العال يكتب : تاريخ حائر بين بان وآن الحلقة الثالثة الجزء الأول .. رجال لم تخبرك عنهم حصص التاريخ
 
في التاريخ المصري صفحات مشرقة تستحق أن تروى وأن يسلط عليها الضوء إن أردنا أن نبني جيلا حقيقيا لا يعترف إلا بالعزة ولا يعرف سوى التطوير والبناء في كافة المجالات.
 
 
أ-رجل الساعة بمصر
تحت عنوان "رجل الساعة في مصر عبد السلام ذهني بك المستشار الوطني الجرىء" أفردت اللطائف المصورة عام  1934 صفحة كاملة مزينة بصورته واصفة إياه برافع الكرامة المصرية والمدافع عن القومية الوطنية .كان مبعث هذا الاحتفاء بالرجل هو انتصاره في جعل تدوين أحكام المحاكم المختلطة باللغة العربية  لأول مرة بعد خلاف كبير مع القضاة الأجانب وهو ما اعتبرته المجلة انتصارنا كبيرا للهوية والكرامة القومية وعلى صفحات المجلة أنشد محمد يونس القاضي :
"شفت سي عبد السلام ذهني وحكايته ... آهو  واقف فوق سطوح المحكمة
وبشجاعه قام رفع راية كرامته ...وسط أزمة مختلط مستحكمه
مصر من فرحتها عماله تسقف...لابنها اللي رفع راية علاها
راية لا تنزل ورفعتها تشرف...كل سكان مصر واللي في حماها
طول حياتهم يرفعوا راية السلام "
فيما قام أحمد زكي أبو شادي يستحث همم المصريين ومذكرا بمشابهة هذا الموقف بموقف سعد زغلول باشا حينما كان  وزيرا للمعارف وجعل اللغة العربية لغة التعليم بدلا من اللغة الانجليزية فيقول  في قصيدته التي ضمها كتابه (فوق العباب):
"عفاء على دار على أهلها تجني ...إذا بات أهل الدار يرضون بالغبن
 بني وطـنـي ! هذي حـمـيـة واحـد ...فأين إباء الشعب يهدم أو يبني ؟
أتنسون ماضي سخطكم أو إبائكم ...وكلكمو « سعد » وكلكمو « ذهني »"
للأسف لا نملك كثيرا من المعلومات عن حياة الرجل أكثر مما ذكره خير الدين الزركلي في( الأعلام) نورده نصيا من أنه "علامة بالقانون. مصري عصامي. بدأ حياته مدرسا في الإسكندرية، وتابع دراسة الحقوق، وسافر إلى فرنسة مرتين، ففاز بشهادتي " الدكتوراه " في العلوم السياسية والمالية، القانون المدني. وعمل في المحاماة (سنة 1909) ودرَّس في مدرسة الحقوق بالقاهرة. وانتقل إلى القضاء فارتقى إلى أن كان رئيسا لمحكمة مصر، فمستشارا بمحكمة الاستئناف المختلطة. وأحيل إلى التقاعد بعد إلغاء " المختلط " فعاد إلى المحاماة بالقاهرة. واستمر إلى أن توفي. له تصانيف كبيرة كثيرة، تعد من أمهات المراجع العربية في القانون. منها "مسؤولية الحكومة-ط " جزآن، لعله أول ما نشر من مؤلفاته (سنة 1914) و " كتاب الحيل، المحظور منها والمشروع - ط " و " الأنظمة الدستورية والإدارية - ط " و " النظرية العامة في الالتزامات - ط " " في الأحوال - ط " مجلدان، و " في القانون التجاري - ط " و " مسؤولية الدولة عن أعمال السلطات العامة من الناحيتين الفقهية والقضائية - ط " و " الأموال - ط " و " نهضة القانون - ط " و " القانون التجاري - ط " و " التطور الاجتماعي والتشريعي - ط " و " المداينات - ط " مجلدان"
ولأن الشىء بالشىء يذكر فقد جاء انتصار آخر من المحكمة المختلطة أيضا بفوز المهندس المصري النابغة إبراهيم أفندي فوزي على مهندسي العالم في المسابقة التي أقامتها الحكومة المصرية لوضع تصميم للمحكمة المختلطة الجديدة وقد نشرت اللطائف المصورة في عددها 532 بتاريخ 20 أبريل 1925 خبر فوزه أيضا على أقرانه في مدرسة باريس للهندسة وإشادة المسيو الجيوم رئيس مدرسة الناسيونال والفنون الجميلة بنبوغه..
أتمنى وضع مثل هذه الأمثلة وما أكثرها لمن يبحث وينقب ولو في مشهد من مسلسل يتناول هذه الفترات المضيئة من تاريخ مصر بدلا من مسلسلات البلطجة والاسفاف ..
 
ب-رسول العلم بروسيا
في ضاحية فولكوفو بالقرب من سانت بطرسبرغ بروسيا يقع ضريح الشيخ الجليل محمد عياد الطنطاوي حيث تعتبره الدولة من الآثار التاريخية والثقافية بالبلاد ..
في مصر كانت البداية لشيخ نابه تلقى تعليمه بالأزهر على يد ثلاثة من العلماء المتنورين ممن تولوا مشيخة الأزهر بعد ذلك هم : الشيخ حسن العطار والشيخ محمد بن أحمد البيجوري والشيخ برهان الدين إبراهيم السقا ...لكن اهتمامه بعلوم اللغة وآدابها جعله منبوذا متهما باتباع البدع وبلغت كراهية خصومه له حد تمني موته أثناء  إصابته بالطاعون وهو بين الحياة والموت...وكما يقولون فرب ضارة نافعة فاللغة التي كانت سببا في محنته تحولت بين يوم وليلة إلي مناط سعده ومكمن قوته وانطلاقه نحو العالمية حيث بدأ اهتمام المستشرقين بمصر يتزايد في عهد محمد علي باشا وتشجيعه لهم فكانت الحاجة متزايدة لمن يعلمهم العربية وهنا انطلقت مواهب الشيخ عياد ..كان من تلامذة الشيخ مستشرقين الروسيين )موخين(و)فرين( رشحا الشيخ للقنصل الروسي العام في الإسكندرية ليسافر لروسيا للتدريس هناك وهنا يستأذن الشيخ عياد "عزيز مصر وممدنها، وحامي ذمارها ومؤمنها " محمد علي باشا  الكبير والذي لم يمانع بل وشجعه على تعلم اللغة الروسية وإتقانها (انظر سعة فكر محمد علي في بناء قاعدة لقوة مصر الناعمة وفي مقدمتها المد الثقافي وبناء جسور من الحوار مع الغرب).
نجح الشيخ عياد في مهمته بين التدريس في كلية اللغات الشرقية ب سانت بطرس بورغ  وبين كونه مستشارا في الدولة الروسية ونال احترام واستحسان الروس وتكريمهم أيضا حيث قلده القيصر وسام ستانيسلان ووسام القديسة حنة و خاتماً مرصعاً بالألماس الغالي وتوفي الشيخ في 29 أكتوبر 1861.
 
 
ت-الصومال بالمصري
عصر عبد الناصر ..سنوات التحدي والكبرياء ضد كل مظاهر الاستعمار في أفريقيا ..سنوات ذهبية كتب فيها المصريون بأحرف من نور على صفحة النضال الأفريقي نحو الاستقلال ومن هؤلاء السفيرالمصري الشهيد محمد كمال الدين صلاح وهو وبجدارة  ممن يطلق عليهم رجل بأمة ..
جاء الشهيد بصفته مندوبا عن مصرفى المجلس الاستشارى «الوصاية» بالصومال الذى شكلته الأمم المتحدة عام 1954 وضم أيضا الفليبين وكولومبيا لمراقبة عملية التحول نحو الاستقلال وكانت أراضي الصومال مقسمة بين استعمار إنجليزي ووصاية إيطالية  وأجزاء تحت السيطرة الفرنسية وافتتحت مصر قنصلية لها فى الصومال لتدعيم نشاطها..
أغرم السفير المصري بالصومال وشعبه فبادلوه حبا بحب وأصبح منخرطا بين الأهالي الفقراء فتبنى قضاياهم ووضع خطة اقتصادية لمعالجة الفقر بالبلاد وتعليمهم أسس الزراعة الحديثة والنهوض بالحرف المحلية وخاض معهم معركة جعل اللغة العربية لغة البلاد الرسمية..كما عبر عن الموقف الصومالي بأمانة تامة فيما يتعلق بمسألة الحدود مع الحبشة غير مبالي بتلميحات رئيس وفد الحبشة الدائم في الأمم المتحدة بأن دفاعه عن الصومال يعد موقفاً غير ودي من مصر إزاء الحبشة كما طالب بإعادة النظر في عقود الإمتياز الممنوحة للشركات الاستعمارية و تعديل بنودها بما يحقق مصالح الشعب الصومالي  ومنددا في الوقت ذاته بمظاهر التفرقة العنصرية داخل البلاد على أساس اللون والعرق والتي صنعها المستعمر.
دفع الشهيد حياته ثمنا لذلك حيث طعن أثناء عبوره  الشارع أمام منزله فى «مقديشيو» يوم 16 إبريل 1957 وودعه الصوماليون في جنازة مهيبة وصلوا عليه في البرلمان كما قدم الوفد الصومالي المرافق للجثمان لمصر التعازي للرئيس جمال عبد الناصر ..