إبراهيم الديب يكتب : امينيا

إبراهيم الديب يكتب : امينيا
إبراهيم الديب يكتب : امينيا
 
 انظر لشبه جزيرة سيناء  نظرة مختلفة واكن لها في نفسي مكانة خاصةً يمتزج  فيها الاسطوري بالمقدس فكثيراً من زملائي المجندين منذ وصولنا إليها يعتبرونها صحراء جرداء شاسعة  مترامية الأطراف تعلوها قبة زرقاء، أما خلاصة نظرتي لسيناء فهي مهبط وحي، وأديان وكتب مقدسة استقبلتها هذه البقعة المباركة، ومساحة أرض شهدت صراعاً بين الحق والباطل ف كثيراً ما ربطت الأرض بالسماء  يختلط على كثيراً الخيال بالواقع وكأني أسمع دبيب بقايا أقدام من عبر  من هنا منذ فجر التاريخ وصبوته من جيوش وانبياء وشعوب فلا شيء يذوب بالكلية يختلط الخيال ،  وكأني أشاهد أطياف من العابرين ذهابا وإياباً  لعلي أضع قدمي في نفس مكان قدم من : مشى هنا قبل مني على نفس الدرب في الماضي السحيق، هل أنا أرى بعين البصيرة برؤية  ضبابية ما تركوه في الأثير من صورهم وأرواحهم، فقد شكلت سيناء جزء كبير من عقيدة البشرية من الأديان السماوية الثلاث وتراث الانسانية أجلس كثيراً بمفردي أقرأ عنها وارجع معلوماتي التاريخية.     
 في إحدى هذه الجلسات وكان الطقس : أكثر من رائع في صباح أحد أيام الربيع ،وبجواري كوب من القهوة-عملتها على السبرتاية أل أنا مخبيها ،من الشاويش ممدوح تحت السرير- أتناوله  محاولة مني  للخروج من حالة الملل، والوخم التي فشلت من التخلص منها منذ استيقاظي من النوم ، ،وبيدي مجلة أكتوبر وفي منتصف مقال المؤرخ: عبد العظيم رمضان ،
فشاهدت: السعيد سيد طنطاوي يقترب منى بخطوات خجلة معتلة ،غارق في تفكير عميق وبقايا ملامح حزن على وجه. سعيد : الفلاح البسيط الأمي طيب القلب، والتي لا يقل صفاء نفسه عن جمال وصفاء من طقس الربيع الذي استمتع به الأن أكثر من تناول القهوة وقراءة مقال عبد العظيم رمضان ، فله مكانة كبيرة في نفسى، وأنا فى شوق لتبادل الحديث والنقاش الممتع معه، وأعتقد أنه يبادلني: نفس الشعور ،فقد وصل من الأجازة بالأمس ليلا متأخرا ، واعتاد منذ صداقتي له أن يأتيني بالفطير المشلتت لقوة العلاقة بيننا أو كرما منه لست متأكدا لأي سبب منهما يحرص سعيد يأتيني بالمشلتت التي تصنعه :أمه بطريقه أجبرتني أن أقسم أنه ؛أشهى مما تذوقت من فطير في حياتي
  أقترب مني ومد ليصافحني  وبعد الاحضان والقبلات والتحيات المتبادلة لم أجد سعيد الذي أعرفه المقبل على الحياة التي لا تفارق الابتسامة وجهه  فوضعت المجلة جانباً وافرغت دون شعور ما تبقي من كوب في فمي الي بطني مباشرةً. ثم فترة صمت لم أعهدها عليه من قبل ،هو ليس في حالته المعتادة من الفكاهة والبساطة والمرح والتلقائية التي هي جزء من التحية، كما عهدته، فسألته ماذا بك ؟ يا سعيد خير :
_ فرد قائلا :
مزاجي وحش يا ديب  ( بتعطيش الجيم ) 
 فقلت :ليه مالك خير إن شاء الله فيه يا عم سعيد شغلتني عليك يا دفعة اتكلم ،
  فقال: تعبت شوية كده يا جدع ورحت للدكتور عشان أكشف .
_ فسألته وقالك أيه الدكتور يا عم سعيد ،؟
 فرد قائلاً بنبرة حزن وكأن  الطبيب أخبره كما الأفلام العربي أنه لم يعد هناك امل وسوف بعد ثلاثة أشهر:
حداك أمينيا(يقصد أن الطبيب قال له: أنه يعاني من مرض الأنيميا )ألا أيه الأمينيا دي يا ديب بنت الكلب الوسخ.
فلم اعره اهتمام  وجاهدت في إخفاء ابتسامة احتراماً له خرجت من الموقف بسؤاله هل أحضرت الفطير فقال باقتضاب شديد:
- أيوه جبت الفطير يا ديب ثم خبط الأرض ببيادته البولندي الحدادي المتينة وساقه الأقوى التي أحدثت حفرة في الأرض  نتج عنها غبار من رمال طالت هذه العاصفة الرملية وجهي ..
 
  علامات  الغضب بادية واضحة على وجه سعيد لا تخطئها عين و نظرات اللوم كانت حادة قاسية لاعتقاده أني استخف به، وهو في أزمة نفسية التي تتمثل في مرض" الأمينيا" ثم قال :
و الله العظيم أنا جايلك أنت بالذات :مخصوص وفاكرك بني آدم كويس عشان أسألك عن "الأمينيا" لأني: عارف أنك راجل بتفهم تقوم تقول لي:
-جبت الفطير ولا لأ ،وكمان تقولي: أوعى تكون نسيت الجبنة آل بتتفرد على وش الفطير كده تبقى فاكر نفسك صاحبي واخويا؟، طيب ده كلام يا جدع ؟ "بتعطيش الجيم"
  فقمت بشكره  أولا على الفطير ،والجبنة آل بتتفرد على وشه، ثم  قلت له:لأ والله يا سعيد الفكرة آل وصلتك خطأ الموضوع مش كده خالص والله وأنا اربت على كتفه، أصل مرض "الأميبا" مش زي ما أنت فاهم ده مش حاجة خطيرة : "الأمينيا "دي حاجه هايفة كده ،و بسيطة يعني تقول كده إنه عبارة عن شوية ضعف أي والله, فتهللت أساريره وانسحبت السعادة على وجهه وتبدل حاله حتى أنه شخص آخر عندنا سمعني أتحدث عن مرضه "الأمينيا" باستخفاف وبساطة ولا اعيره اهتمام وقال:
_  أنت بتتكلم جد ياد ديب وحياة ربنا، الكلام ده صحيح طيب  أحلف وقول:و ربنا إن هي: شوية ضعف. فأقسمت بالله العظيم أنها كذلك، فاطمئن سعيد بعد القسم ،ويبدو أنه بدأ يقتنع بما أخبرته  عن"الامينيا" قد يكون سبب اطمئنانه أننى لم أعير مرض الأنيميا أهمية في أول الأمر وحديثي معه وتحدثت عنها بلامبالاة واستخفاف وركزت على الفطير والجبنة  ثم أردف :
_ فيه حاجة تانية يا ديب عايز أسألك عنها من زمان أوى بس كل ما اجي أسألك أنسى الله يخزيك يا شيطان ؟ .قلت:
- ماهي ؟.
- قال:
-  أغنية فيروز أل أنتي بتسمعها كتير في الراديو: دي وأنت قاعد سرحان كده في دنيا تانية أل بتقول فيها كده : حبيتك في الصيف ،ونطرتك في الشتا ألا أيه ياديب يعني (نطرتك دي ) واشمعنى يعني في الشتا بالذات 
قلت له:
- نطرته يعني انتظرته فترة طويلة يعني كانت بتستناه طول الشتا فقال:
- يبقى بتحبه أوي يا ديب فقلت:
- الظاهر كده يا سعيد.
 فتهلل وجه سعيد مرة أخرى حتى أصبح سعيد أكثر إشراقا  وصار صديقي الذى أعرفه قبل أن يصاب  "  بالامينيا"وكأنه عثر على سر الوجود  قبل أن : يرد قائلا: 
عليا الطلاق بالتلاتة أنتي راجل جدع وبتفهم....