حسنى حنا يكتب: هانيبال.. القائد العظيم الذي تحدى روما

حسنى حنا يكتب: هانيبال.. القائد العظيم الذي تحدى روما
حسنى حنا يكتب: هانيبال.. القائد العظيم الذي تحدى روما

"لقد وضع هانيبال الاطارات للتكتيكات العسكرية الألفي عام

*Will Durant

كان هانيبال Hannibal واحداً من أعظم القادة العسكريين على مر العصور. ومازالت خططه العسكرية. تدرس الى يومنا هذا.

ولد هانيبال في مدينة قرطاجة Cartnage قرب مدينة تونس اليوم، في العام (247ق.م) عندما كان والده هاميلكار باركا Hamilcar Barca قائداً قرطاجياً هاماً، يقاتل الرومان في جزيرة صقلية Sicilly.

تأسيس مدينة قرطاجة

تذكر الأساطير أن تأسيس مدينة قرطاجة، يعود إلى العام (814ق.م) وأن اليسار Elissa شقيقة بيجماليون ملك صور Tyreهي مؤسسة هذه المدينة. ومعنى الاسم (قرطاجة) هو (المدينة الحديثة) وكان سكان قرطاجة يعتبرون أنفسهم (كنعانيين/ فينيقيين) وقد عرفوا بهذا الاسم، حتى القرن الخامس للميلاد. وقد كانت قرطاجة مركزاً حضارياً هاماً، على الشاطئ الشمالي لأفريقيا، وجنوب البحر المتوسط.

إزدهار مدينة قرطاجة

إن احتلال الأشوريين لسوريا، نقل الازدهار الاقتصادي، والتقدم الحضاري إلى قرطاجة. وذلك بسبب موقعها الجغرافي. وقد زادت اهميتها السياسية، حتى غدت في القرن السادس قبل الميلاد، عاصمة امبراطورية واسعة الأرجاء، تمتد من ليبيا شرقاً، في أعمدة هرقل (مضيق جبل طارق) غرباً متضمنة العديد من المدن البحرية في جنوب اسبانيا وشرقها، وجزر كورسيكا وساردينيا وصقلية. وهذا ماجعلها تصطدم بروما الناشئة، الراغبة في إنشاء امبراطورية واسعة. وظهر النزاع بين قرطاجة وروما، على السيادة البحرية. وقد كانت قرطاجة (الفينينقية) تعتبر نفسها سيدة البحار، وتعتبر البحر المتوسط بحيرتها الخاصة.

النزاع بين قرطاجة وروما (الحرب البونية الأولى)

سميت هذه الحروب بالبونية، نسبة إلى رأس بون Bon على المتوسط شرقي مدينة تونس.

ازدادت قوة روما، بعد أن كانت مستعمرة صغيرة، فقد اتسعت أراضيها في إيطاليا، وطمحت بالاستيلاء على صقلية، وكورسيكا وساردينيا، وظهرت في روما الثروات الكبيرة والأموال، وتهيأت لها الظروف، لتكون مدينة تجارية.

بدأ النزاع بين قرطاجة وروما فجأة في العام (269ق.م) حول جزيرة صقلية. وفي العام (260ق.م) أبحر أسطول روماني الى صقلية واشتبك مع الاسطول القرطاجي في معركة انتصر فيها الرومان، لكنهم لم يتمكنوا من إجبار القرطاجيين على الصلح.

ولما عادت الحرب من جديد، استطاع القرطاجيون مهاجمة القوات الرومانية وهزيمتها. حتى قررت قرطاجة أن ترسل خيرة قوادها الى صقلية الشاب هاميلكار باركا الذي كان يقوم بحملات عسكرية سريعة وخاطفة. لكن الرومان أعادوا إنشاء اسطول بحري جديد، انتصروا بواسطته على الأسطول القرطاجي، وتراجع القرطاجيون عن صقلية. وتمكن الرومان فيما بعد من احتلال جزر ساردينيا وكورسيك في العام (238ق.م).

الحرب البونية الثانية

تخلت قرطاجة عن فكرة استرجاع الجزر التي فقدتها، وأخذت تبحث في اسبانيا عما يعوض عنها. وفي العام (238ق.م) كان هاميلكار باركا في اسبانيا على رأس جيشه القوي. وقد أخذ في توسيع نفوذه في شبه جزيرة ايبيريا، دون التفكير في معارضة روما لمخططاته.

وبعد وفاته، تبنى سياسته بنجاح قائد قرطاجي آخر هو (هسدروبال) وبعد وفاته في العام (221ق.م) اعلن الجنود (هانيبال) قائداً عليهم واسم (حنيبعل- هانيبال) يفيد معنى (نعمة او بركة بعل) وكان هانيبال بن هاميلكار، يتمتع بصفات وميزات كثيرة، جعلته قائداً عظيماً.

بدأ (هانيبال) اعماله الحربية ضد الرومان. ولم تمض بضعة شهور، حتى اندلعت الحرب من جديد، بين اكبر قوتين في البحر المتوسط.

فكر هانيبال بالوصول الى ايطاليا الجنوبية، على رأس جيش صغير. واحتلال صقلية وساردينيا، للحصول على نقطتي ارتكاز، للهجوم الحاسم على روما نفسها.

وفي ربيع عام (218ق.م) غادر هانيبال اسبانيا على رأس جيش كبير، مكون من (50) الف محارب. ومعهم تسعة آلاف حصان، اتجه بهم الى جبال (البرنه) التي تفصل بين اسبانيا وفرنسا، وقد عاني هذا الجيش الكثير بسبب البرد، وصعوبة اجتياز الجبال. وازداد ذلك صعوبة، عندما اجتاز هانيبال وجيشه جبال الألب. وهنا تحركت روما وأرسلت جيشاً الى اسبانيا، وآخر الى افريقيا. ولكن سرعان ماقررت سحب هذين الجيشين للدفاع عن شمال إيطاليا.

هانيبال في إيطاليا

هزم هانيبال جنود الرومان (217 ق.م) وأصبح سيد شمال ايطاليا. وكان جيش هانيبال تتقدمه الفيلة. وقد كان لهذه الهزيمة نتائجها الخطيرة، لأنها جعلت الطريق مفتوحة الى روما.. لكن هانيبال لم يهاجم روما، بل اتجه جنوباً محققاً عدة انتصارات، كان لها صداها الواسع، في عالم البحر المتوسط كله.

النزاع من أجل صقلية

بعد أن ثبت هانيبال أقدامه في إيطاليا الجنوبية، فكر باجتياز صقلية الى قرطاجة. فاشتعلت نيران الحرب من جديد في عام (215ق.م) في اسبانيا، مما اضطر (هسدروبال) شقيق هانيبال الى السفر الى افريقيا للقضاء على ثورة قامت في نوميديا (الجزائر) وبعد عودته الى اسبانيا صد جيشاً رومانياً، الى ماوراء نهر الايبر، وهكذا عادت اسبانيا كلها الى حكم القرطاجيين.

مقاومة روما

حاول الرومان القفز الى (قرطاجنة) عاصمة الامبراطورية القرطاجية في اسبانيا، وتمكنوا من دخولها. واندلعت الثورات في ايطاليا ضد القرطاجيين. فما كان من هسدروبال الا ان جمع قواته، وعبر جبال البرنه وجبال الألب، وظهر في شمال ايطاليا، محرضاً السكان على الثورة ضد روما. وساد الخوف في روما بسبب انضمام قوات هسدروبال الى قوات هانيبال وقد استطاع الرومان، الانتصار على جيش هسدروبال وهزيمته، وقتل هسدروبال.

 

نهاية الحرب اليونانية الثانية

اضطر هانيبال الى الجلاء، عن العديد من المدن والمواقع، التي كان قد احتلها في ايطاليا. وسقطت معظم اسبانيا تحت حكم الرومان.

واقترب اليوم الذي كانت روما تنتظره، للهجوم مباشرة على قرطاجة نفسها.

في عام (205ق.م) عاد القنصل الروماني (سيبيون) من اسبانيا وطلب من مجلس الشيوخ الروماني، نقل الحرب الى افريقيا.

وفي بداية عام (201ق.م) وصل الى ارض افريقيا على رأس جيش مؤلف من (35) ألف محارب. وحاول فوراً فصل قرطاجة عن حلفائها، واعتمد على مساعدة ملك نوميديا (الجزائر) الذي كان على عداء مع قرطاجه. وتمكن سيبيون من هزيمة القرطاجيين. وتم الاتفاق على هدنة، ودعوة هانيبال من ايطاليا. فلبى هانيبال طلب قرطاجة.وعاد دون ان يتحمل أية هزيمة في حياته. وجلا باختياره عن الأراضي التي كان قد احتلها منذ اكثر من خمسة عشر عماً.

وقد قوبل خبر عودة هانيبال الى قرطاجة بارتياح كبير في روما لكن قرطاجة اعتبرته كمأساة مما اتاح للفريق المطالب بالحرب من جديد أن يتفوق. وأن يستولي القرطاجيون على أسطول روما، فتجدد النزاع بين روما وقرطاجة.

معركة زاما

قام هانيبال بقيادة حملة جديدة، ودارت المعركة الحاسمة في أراضي نوميديا قرب (زاما) في العام (202ق.م) لكن خطة هانيبال فشلت لأن الفيلة في جيشه، وعددها ثمانين فيلاً، ذعرت من صوت أبواق الرومان الذين حققوا انتصاراً حاسماً. وقد نجا هانيبال بفضل مجموعة من الفرسان، فأخذ ينصح قرطاجة بالصلح.

الصلح بين قرطاجة وروما

بعد إقامة الصلح، تعهدت قرطاجة بدفع غرامة للرومان لمدة خمس سنوتا، وتسليم مراكبها وفيلة الحرب. والتخلي عن كل الفتوحات الخارجية وتحديد تسليحها.

وهكذا بعد مرور ستين عاماً من القتال، اختفت أقوى وأغنى دولة. وانتصرت روما، لأنها كانت تملك جزيرة صقلية، التي احتفظت بها لموقعها الاستراتيجي، وقربها من إيطاليا. ولأن الجيش الروماني كان مؤلفاً من جنود يؤدون خدمة إجبارية، في حين كان الجيش القرطاجي مؤلفاً من جنود ومحاربين ممتهنين.

اهمية القائد هانيبال

اعتاد هانيبال على التغلب على الصعاب، وكان يتميز بالثقافة الواسعة وقدرته على تركيز أفكاره فيها يهدف إليه، ولم يكن هناك من يشبهه في سباق الخيل.

وصفه المؤرخ الروماني (ليفي Livy) بأنه كان اول من يدخل الحرب، وآخر من يخرج من الميدان. اكتسب محبة قواده وجنوده، الذين كانت تتملكهم هيبته، وتأخذهم سطوته. أحبه المجندون الجدد، لأنه لم يكن يرتدي تثياباً مميزه له. وكان يقاسمهم كل مايصيبهم من خير وشر. وكان قاسياً لايتساهل في أمور الخيانة. وعدم الولاء. وكان بارعاً في خططه العسكرية، وينتصر في المعارك الحربية بعقله، لابدماء رجاله!..

نهاية هانيبال

غادر هانيبال قرطاجة، بعد هزيمته في معركة (زاما) الشهيرة، في جنوب غرب قرطاجة، واتجه لأسباب غامضة الى مدينة صور على الساحل السوري. ثم التحق بملك سوريا أنطيوخوس الثالث يساعده على قتال الرومان، ولكن دون جدوى.

وحين أعد أنطونيوخوس كل قوات آسيا الصغرى، وجهز أسطولاً جديداً لقتال الرومان. عهد الى أخيه بقسم منه وبالقسم الآخر الى هانيبال، وكان يقود الجيش الروماني، سيبيون وأخيه بوبليوس بطل معركة زاما.

مات هانيبال في آسيا الصغرى في العام (183ق.م) وقد قيل بأنه ردد العبارة التالية: "أن موتي سيوفر على الرومان، مؤونة انتظار ميتة رجل طاعن في السن كانوا يكرهونه"!..

الحرب اليونانية الثالثة وتدمير قرطاجة

بعد كل هذه الحروب غدت روما سيدة عالم البحر المتوسط. وفي مدة قصيرة، هزمت روما قرطاجة ومكدونيا وسوريا، القوى الثلاث الكبرى في ذلك العصر.

لكن على الرغم من هزائم القرطاجيين، في حروبهم مع الرومان، وخسارتهم امبراطوريتهم، فقد حافظت قرطاج، على الزعامة التجارية في البحر المتوسط.

وقد شعر الرومان بالخوف، وبدأ الحقد ضد قرطاجة يزداد يوماً بعد يوم.

وظهر النزاع بين روما وقرطاجة من جديد، وفي العام (150ق.م) أعلن مجلس الشيوخ الروماني، الحرب على قرطاجة، تحت ضغط الرأي العام في روما. وقرر مجلس الشيوخ الأنتهاء من مشكلة قرطاجة، بهدم قرطاجة!..

أرسلت روما الجيش والأسطول الى صقلية، وعندما علم القرطاجيون بقرار هدم مدينتهم، قرروا الحرب ضد روما، والدفاع عن مدينتهم.

وعندما وصل الجيش الروماني الى الأسوار، وجد مدينة قرطاجة قوية ومنيعة يستحيل دخولها، الا بعد حصار طويل جداً.

أستمر الحصار مدة ثلاث سنوات، وأخيراً نجح الرومان في تسلق أسوار بالمدينة، وبدأت حرب الشوارع مدة ستة أيام. حتى وصل الرومان الى القلعة، التي التجأ إليها خمسون ألفاً من المواطنين القرطاجيين. وبعد إعلان هؤلاء خضوعهم. استطاعت روما أن تعتبر نفسها سيدة قرطاجة. وقررت لجنة من مجلس الشيوخ الروامني هدم المدينة، وقذف الأحياء من المواطنين هنا وهناك، وخصصت الأرض إلى آلهة جهنم!..

 

قرطاجة تدخل التاريخ

لقد هدمت قرطاجة أخيراً، وتم لاتفاق على تحويل أراضي قرطاجة الى ولاية رومانية. واضطر من بقي حياً من القرطاجيين الى ممارسة الزراعة، وعدت أراضي القرطاجيين أملاكاً عامة لروما.. وهكذا زال شبح قرطاجة، الذي كان يخيف روما. والجدير بالذكر أن المؤرخين المنصفين، يرون في حروب القرطاجيين ضد روما، صفحات بطولية، رغم ان كل ماوصلنا منها، كان مما ذكره المؤرخون الرومان.

وإذا كان الرومان، قد استطاعوا أخيراً، إحراق قرطاجة بالنيران، التي تركوها مشتعلة مدة سبعة عشر يوماً. وإذا كانوا قد استطاعوا، أن يطمروا موقعها الجغرافي الهام بالأطلال والرماد. فإن هذه البربرية، لاتشرف الرومان، ولم تستطع أن تغيب الى الأبد، الصفحات المشرفة من تاريخ وحضارة امبراطورية قرطاجة العظيمة!..