هدى حجاجى أحمد تكتب: وأنا أيضا أحبك

هدى حجاجى أحمد تكتب: وأنا أيضا أحبك
هدى حجاجى أحمد تكتب: وأنا أيضا أحبك

 

مرت االأيام وكل الاصدقاء والاحباء يفدون الى منزل "صلاح جلال " كالعادة وكان صلاح لم يبتعد عنهم ويترك دنياهم المليئة بالمتناقضات هكذا " أمنية " مثلهم فلقد كانت تذهب الى منزل صاحب الذكرى كل يوم منذ الفراق الأبدى وهى متشحة بالسواد حدادا عليه وتيمنا بذاكراه العاطرة وحبا ووفاء له , فى نفوس الجميع فامتلأ البيت عن آخره ... رجال ونساء من كل مكان وأخذ بعض النسوة يشاركون الوالدة الكليلة أحزانها فى هذا اليوم .

وفى أحد الحجرات الكبيرة جلست والدة صلاح وسط المعزين وبجانبها "امنية " وهما يتحادثان ولم يمضى على حديثهما هذا وقت طويل حتى جاءت اليهما والدة ""سامية " التى دعتها للجلوس بجانبها , ثم خيم الصمت على جلستهما وبين كل زمن وزمن كانت والدة سامية تواس والدة صلاح" ثم ترد الاخيرة على التعزية بدموع كالسيل المنهمر سرعان ما توقفه بمسحة منديل ثم ترد بكلمات خافتة ولكن والدة صلاح لم تجد كلمة تتحادث بها مع أم سامية سوى سؤالها عن ابنتها التى كانت يوما ستزف الى صلاح ابنها ثم صمت الاخرى فترة طويلة من الوقت ثم تقطع صمتها مرة أخرى بسؤالها عن ابنتها ... فتجدها غارقة فى دموعها وبين أفكار كثيرة ... لم تجد والدة صلاح مفرا سوى الصمت هى الاخرى كعلاج مؤقت لتلك الحالة الغريبة ؟ . حالة الحزن الطارئ حينئذ تذكرت والدة سامية " يوم ان كانت ستزف الى صلاح وقصتها معه , فلقد عادت بأفكارها الى تلك الايام ..

السر الدفين الذى مازال خافيا على غيرها , وكان سؤال والدة صلاح بمثابة اللهب الذى وضع أمام بئر بترولى شديد الاشتعال فجعل الضباب الذى على عقلها ينقشع الآن أمام تأنيب الضمير الذى أخذ يتحطم على صخرة الانتقام السماوى هذا السر الذى أقتحم أفكارها الان لا يعلمه سوى الله هى وابنتها تذكرت ان ابنتها هى السبب الأول لموت صلاح بمرضه والذى أودى بحياته , تذكرت اليوم الذى أعترفت فيه وهى على فراش المرض بأنها وافقت على الزواج من صلاح وجدت أنها لا تحتمل البعد عن عشيقها الذى وقعت معه فى غرام عنيف ولم تستطع هجرانه والابتعاد عن حبه المجرم , فارادت التخلص من هذا الارتباط فانتهزت فرصة كانت فيها مع صلاح فى احد الكازينوهات ووضعت فى كوب شرابه مادة قاتلة اقترعها صلاح بحسن نية , ومنذ ذلك اليوم انتابه المرض وتأكدت من أن صلاح لن يكون لها أبدا ولا أمل فيه حتى لو حدث شئ من المستحيلات وارتبطا ببعض , وتأكدت من أن اليوم قد قرب لتعود الى عشيقها وأعطته كل شئ تمتلكه , هذا العشيق الذى أصبح فيما بعد بان تدخلت عوامل القدر بينهما وتفاديا الفضيحة زوجا لها انتج ولدا فى سبعة أشهر محتسبة بالدقة منذ عقد القران الرسمى

**

لقد تذكرت أمها الآن ذلك اليوم الذى خرجت فيه مع ابنتها سامية وعلى بضعة خطوات من الشقة وعلى اول درجة من درجات السلم وهى نازلة اذ بكعب حذاء سامية ينكسر فتنكفئ على السلم وتأخذه . تدحرجا حتى آخره فتنقل الى المستشفى ويقرر الاطباء بعد اجراء الفحوص الطبية المتعددة بأن عمودها الفقرى قد كسر ولا أمل من العلاج أو الشفاء منه وستظل طوال عمرها من ذوات العاهة المستديمة ثم يأتى عقب ذلك الاعتراف الخطير من سامية لوالدتها وهى طريحة على أحد أسرة المشفى أعترفت صراحة بأن ما حدث لها كان الانتقام السماوى الاكبر لما فعلته بصلاح , وتذكرت الام قولها " لسامية " لعنة الله عليك يا ..."

أنك ميه تحت تبن لقد أنتقم الله له منك بهذه الحادثة لانها ستظل توقعك طوال حياتك تحت عذاب الضمير وفريسة له , ان تلك العاهة هى أقل جزاء سماوى لك

أعترفت سامية صراحة بأن ما حدث لها هو الانتقام الألهى لما فعلته بهذا المسكين الذى احبها ,, أحست الأم بان الذين يجلسون بجانبها وكأنهم يسمعون حديثها لنفسها وسينقضون عليها ويشبعونها ضربا وركلا باقدامهم , حينئذ شعرت بأن وجودها فى هذا المكان الطاهر وخاصة فى تلك المناسبة الغالية الغير مرغوب فيها .. فحادثت نفسها قائلة . " الله لا يغفر للآثم جريمته حتى ولو تركه فترة ان ربك يهمل ولا يمهل "

ولكنه يترك صاحبه من العقاب لينعم بالحياة طويلا ثم فجأة ينزل عليه العقاب ويصب عليه غضبه " . لقد فرغت الأم لتوها من اغماآتها ففاهت بلا شعور بهمهمات سمعها الجميع وهى تقول " لا ... لا ..." ولم يمضى وقت طويل حتى استأذنت وخرجت بلا عودة .

ومنذ حضور امنية ذكرى الاربعين بدأت تقلل من زياراتها ولكنها لم تمتنع عن زيارة قبره كل جمعة منذ رحيله عن عالم الحقد الأنانية وحب الذات , عالم الجشع والكذب والنفاق .

اعتدل حازم صديقه وأخذ يستنشق من الهواء النقى نفسا طويلا وهو يشعل سيجارة عقب سيجارة من عقب الأخرى , ثم أخذ يواصل تسجيل قصة ذلك الحب الخالد على لسان أمنية ...."أمنية " من قرية السباعية كانت تعمل ممرضة فى أحدى المستشفيات العام وكانت بارعة الجمال هادئة الطبع ربما ورثت الجمال عن جدها الاكبر الفرنسى الذى أتى الى هذه القرية وتزوج من أحد فتياتها ايام الحملة الفرنسية على مصر ,,كان يسجل من على لسان امنية وهى جالسة امامه فى جلستها الملائكية وهى تقول له فمنذ اليوم الاول يوم ان اوصلناه الى حياته الثانية الى جنته الاخيرة الخالدة لم يغيب عن فكرى حكاياته معى وظلت صورته مجسمة امامى اكثر ساعات خلوتى بنفسى فى الصباح والمساء .. كل ساعات الليل حتى فى نومى كان صوته يتردد صداه فى أذناى وكأنه يتحدث معى بلطفه وظرفه ولكن شيئا واحدا هو الذى سيطر على وجدانى وعلى تفكيرى منذ ساعات اجرائه العملية الثانية وبعده , كان هذا الشئ الذى أخطا فيه الاطباء واعتقدت بأن صلاح لم يمت وسوف ينجو من الموت . اذن دفن حيا خطأ لا شك بأنه ذهب فى غيبوبة تامة . حسبوه قد مات كانت هذه هى الفكرة المسيطرة على وكنت أحيانا استيقظ من نومى فزعة واحس احساسا قويا بأن صلاح قد فاق من غيبوبته التى ذهب فيها وقام من رقدته وخلع عن جسده تلك الاثواب البيضاء , كفن الموت أنه لابد وقد قام من رقدته واخذ يبحث فى الظلام الحالك والسكون الدائم القاتل عن باب عن فتحة لتلك القبر كى يخرج منها أنه بلا شك قد حار عن مخرج له من أكفان القبر وعجز كلية عن العثور عن الطريق الذى سيعود منه الى دنيانا بلا شك انه قد أخذ يصرخ ويستغيث بكل الاسماء التى يعرفها لتحضر اليه وتنقذه كنت أؤكد هذا الشعور الذى انتابنى وأنه أخذ يخصنى أنا بالذات بأكثر نداءاته وكنت أسمع صوته العذب الجميل الذى كان يهز أوتار قلبى المحب له ويقول لي أمنية أنا صلاح انا لم امت بعد ..!

انقذينى من هذا الظلام الذى وضعونى فيه اين أنا الآن حلم ام حقيقة ,, هل خيل إليكم موتى فدفنونى حيا حرام عليكم ..أمنية .. حازم الحقونى

ولكن اعصابى ثارت لهذا النوم فارق جفونى فلم انتظرت واسرعت الى المقبرة وذهبت إليه وقلبى يدق دقا سريعا وانتابتنى قشعريرة عظيمة ربما كانت رهبة الموتى وخيل لى بأن قدماى قد ضعفت على حملى عندما اقتربت من جدار الشاهد ووضعت اذنا بعد الأخرى على الجدار لعلى أسمع صوته أو خيل إلى اننى أسمعه وانه يحادثنى ولكن الحقيقة ان شعورى ووجدانى واحساسى الباطن هو الذى حملنى الى هنا وظللت اليوم كله لا أدرى أن كان طال أم قصر بجانبه لم أحس باى تعب أو ظما أو جوع .

لقد أضحت امنية منطوية على نفسها منعزلة عن العالم لا أحد يعرف سر انطوائها ولم يجد أهل منزلها مبررا لهذا الأنطواء منها , هذا من محاولاتهم الكثيرة لمعرفة التغيير الذى جد على حياتها واودى بها الى هذا الحال .

**

ولكنها أخيرا قررت انها لابد وأن توهب حياتها لخدمة من هم فى حاجة اليها لتدفع عن أولئك الذين دب الى جسدهم المرض برعايتها لهم وعنايتها بهم و انهم اولئك البشر المعذبون فى الأرض

وهنا مع تلك الصفحات ظل قلم صديقه يسجل

أخذت الايام تمر والشهور تجرى حتى مضى عام كامل كان اسم " صلاح " لا يغيب عن فكرها انها تعيش دائما مع ذكراه وايامها الجميلة معه , ولكنها كانت دائما تواجه مشاكل من نوع خاص كانت ألسنة السوء تتناقل قصص كثيرة عنها فلا كلمة رحمة تسمعها بل افواه قذرة تنهش عرضها فماذا تعمل , ولهذا فضلت السير فى طريقها المعتاد

لقد اعتادت منذ الأيام التى كانت خلالها تزور فيها قبره , كان عملها بالمشفى يمر رتيبا لم يجد أى جديد فى اى يوم ولم يحدث أى تغيير ولكنها بالرغم من كل ما تواجهه فى حياتها الشخصية لا تحاول ان تشغل نفسها بحب جديد من الذى يمر عليها بين يوم وآخر وكان الطرف الآخر يعرفون رأيها جيدا أنها أصبحت لا تخشى تهديد أحد ولا لوم لئيم

فما أكثر من يعرضون عليها قلوبهم المحترقة شوقا عليها كل يوم فتلتفت عنهم وما أكثر زميلاتها الذين يعرضون عليها المصادقة قصدهم من ذلك تجنيبهم لها طريق الشرق الفريد والاستقامة الذى تسير فيه , أنها تؤكد لهن أن العفاف والشرف والكرامة أصبحت الان سلعة غير مرغوب فيها فأن اغرائاتهم كثيرة بالنسبة لها نحو الحب والتسكع فى الطرقات والكازينوهات وركوب العربات الفاخرة مع عشاقهن لتسترد حياتها وتنعم بحب جديد جائز قد يصادف شيئا جديدا .. وان لم يكن فسعادة جسدية من النوع الذى يرتمى فى ساحته بعض الناس .. رجال وشباب ونساء وفتيات .

كل ذلك الاغراء لم يستطع التأثير عليها انها تحتقر كل هؤلاء الداعين من الجنسين , فبعض الرجال فى نظرها كلاب مخادعون منافقون فلا تصدقهم أى أن أى واحد منهم يدعوها الى حب جديد يبدأ باتفاق على مشروع ينتهى الى تنفيذ فالكل مخادع . يخادع حتى ينال كل رغباته ثم بعدها يذهب الى صيد جديد ان الرجال كالنحل ينتقلون من زهرة الى اخرى ليسلوبها رحيقها وهو ما تعتز به ثم يتركونها زهرة زابلة , انها تصف الرجال بأنهم كالنحل , فتقول هى فى وصفها رجال ومال كمرض دواؤه الجراثيم , كذلك لم يقل فساد اخلاق النساء والفتيات عن الرجال , أنهن يجرين وراء المال والشهرة كل منهن تمنى نفسها بعربة ع أحدث صيحة وطيار وقصر كبير من الحب والسعادة فى اعلا طبقات الجو العليا لتعيش فيه ولكن سرعان ما ينهدم ما بنته فوق رأسها فلا تفيق الى رشدها الا بعد فوات الأوان كل تلك الاوهام كانت تعيش فيها امنية اكث أيامها فماذا تفعل هى اذن المغريات لا شئ ... فلقد كان البناء الوحيد الذى بنته هى لنفسها قد تهدم عن آخره , فذهب حبيبها الذى فهمها وأحبته وآمن بمبادئها .

**

ما الذى تفعله الآن وقد بدأ فراغ كبير قاتل يقتحم أسوار قلبها الكبير , وقد مرت أيام وأيام وأصبح صلاح فى طئ النسيان وماذا تفعل هى والشهور تمر والسنين تمر وفى أعقابها وكل صور المساوئ تخيم على أفكارها وتستمع الى حوارها لماذا هى تحرم نفسها من ان تجيب على أول طارق يطرق باب قلبها المغلق على الحب القديم , فلماذا لا تسير وتفعل مثل الذى تفعله كل زميلاتها الذين يقولون قولهم المأثور " الواحدة تمشى مع أى حد ونهلك بدنه فى الصرف ومجايب كل شئ , الواحدة تضحك على الراجل بكام كلمة عاطفية وتقعد معاه فى أحسن الاماكن وتخليه يصرف دم قلبه لغاية ما نهلك بره وفيها قيها لما الواحدة تمشى مع كام واحد وتضحك على ده وده " .. أن كل من تعرفهم من من هؤلاء سعداء فى حياتهن يتمرغن تحت اقدام الرجال ومن الرجال الكثير والكثير جدا ما يتمرغون تحت أقدامهن ماذا يحدث اذن لها لو خالفت المبدأ الذى حافظت عليه حتى الآن , هل الكرامة والشرف ورجل تعبس معه عيب .. فاذا لم تؤسر قلب شاب ما من الزواج بها فهل قضاء أوقات سعيدة معه تعتبر جريمة تخل بالشرف والكرامة .

حتى الآن فلقد كانت صامدة طويلا أمام تلك الخيالات والمغريات وسط الفراغ القاتل وهى محتفظة بشرفها وكرامتها وسمعتها ذلك بالرغم من مواجهتها الكثير من هؤلاء بل الأكثر من ذلك أنهم وصفوها بالجنون ولكنها القت بكل آرائهم تلك عرض الحائط وذكرت كل ناصح لها بالأنبياء . والقديسيين والعظماء من الرجال والنساء الذين كرسوا حياتهم لخدمة البشر ومنهم من ضحى بحياته من اجل تحقيق رسالته ونشر مبادئه , أن هؤلاء بالرغم من أن حياتهم تطويها الان صفحات ناصعة البياض فنجد مبادئهم الآن تقابل من اناس برغبة وحب ومن آخرين فاما حاقدون أو طامعون بالخداع والنفاق والفجور ونجدهم يهاجمونهم هجوما فاجرا , اذن فلابد من أن ألسنة السوء تلوك الشرفاء أن اعمال الشرفاء تضيع بين كثرة أصحاب السوء والنفاق ولهذا قررت عدم دخول الدير فكرت كثيرا فيه فى بادئ الأمر وصممت على أن تستمر فى عملها وتنفيذ رسالتها برغم كل ما يحيطها انها سوف تعمل فى هذا الميدان الكبير وستكون بعيدة عن كل تلك المشاهد التى تراها وتسمع عنها يوميا , فلقد قررت نهائيا ان تعمل فى مستشفى بعيدة نائية بعيدة جدا لتعيش بين معابد الحب وصروح الانسانية قريبة من التاريخ العظيم

انها كانت تلك عندما تجد نفسها متعبة متضايقة من نفسها كانت تهدأ من آلامها بالذهاب الى قبره لتروح عن نفسها وتبعد عنها الأوهام التى كانت تساور أفكارها وفى أحد الأيام ذهبت إليه للزيارة وعندما اقتربت من قبره أخذت تسير حول الشاهد عدة مرات ثم عادت ثانية ووقفت أمام الشاهد وقالت " هنا يرقد حياة وحب .. جسد وقلب , هنا يرقد حبيب وحب , كان بالجسد قلب كبير وكان بالقلب روح وحياة واحساس مرهف , حياته تنطلق بالحب يسيرها عقل راجح وافق واسع , فيا ليتنى كنت أنا الشهيدة التى ترقد مكان هذا الحبيب الراحل لكى لا أتألم للوعه فراقه وآلام حبه ,... هذه هى الحياة وتلك هى ضريبة الحب , فرحمة بى يا باعث الحياة ورفقا بقلبى يا أمل العباد