راغدة شفيق محمود تكتب: في رؤوسِنا أشجارٌ تثمرُ وتقحلُ وتقتِلُ الفكرة

راغدة شفيق محمود تكتب: في رؤوسِنا أشجارٌ تثمرُ وتقحلُ وتقتِلُ الفكرة
راغدة شفيق محمود تكتب: في رؤوسِنا أشجارٌ تثمرُ وتقحلُ وتقتِلُ الفكرة

في رؤوسِنا أشجارٌ تثمرُ وتقحلُ وتقتِلُ الفكرة : ماذا تعني هذه اللفظة ؟ بناتُ الشفاهِ الكلماتُ ,وبناتُ الصدرِ الهموم. أما أشجارُ الرأسِ وبناتهِ فهي الأفكارُ الّتي ترتسمُ على صفحةِ الحياةِ مع بدايةِ الإدراكِ ولا تتوقفُ إلا بالموتِ هذا السّتار الّذي يضعُ حدّاً لكلّ الأشياء .

 وتقسمُ الأفكارُ عندَ البشريّةِ إلى ثلاثةِ أنواعٍ:

* أفكارٌ تحملُ الخيرَ والتقدّمَ , وهي أساسُ استمرارِ الكونِ وأصحابها هم العلماء والمفكرون الّذين لا توقفهم التضاريسُ والسياسات . فتتوزعُ ثمارُهم بينَ الشّعوبِ وينهلُ من فيضِها من يرغب . وبملاحظةٍ دقيقةٍ لهؤلاءِ المفكرين يجمعهم العلم الّذي يترفعُ عن الأنانيةِ . والتصميم والبحث وسهرٌ طويل , فتورقُ أشجارٌ غرسها هؤلاء حتّى في الصحارى الجرداء بأجمل الثمار وألذها وأكثرها نفعاً .

 * أفكارٌ تقحلُ وتجدب ويصيبها العقم هي في عوالم الموجودِ تداعبُ الأخيلة وتدغدغُ الأرواح ولكنّها لا تنتقل لحيزِ التطبيق ولو حصلَ ذلك لكانَ العالم يسيرُ بخطا حثيثةٍ سريعة جداً إلى قمم العلومِ والتّطورِ .وغالباً ما تظهرُ هذه الأفكار عندَ بعض البشر ممن فقدوا الثّقة بالنفسِ أو يعانونَ من ضغوطات نفسيّة أو بعض الواهمين ممن يصابُ بمرضِ الأنا فيقتلُ براعمَ أفكارهِ قبل أن تكتملَ وتثمر وبذلك يخسرُ بني جلدهِ الكثير من منابعِ الثروة , هؤلاء يكثرون في البلدان المتخلفة الّتي لا تتيحُ للفردِ الرعايةَ الكاملة ولا تهتمُ بالعلم فتغلب الانقسامات والسياسات الّتي تقوم على المحسوبيات وشراءِ الولاءِ بالمال ونهاية هؤلاء الاحتراق في أوّل عاصفة تهبُ على بلدانهم فتختفي الأفكارُ في مستنقعاتٍ عفنةٍ تهجر صاحبها وتتركهُ في ضياعٍ كبير وهنا واجب الدول أن تعمل على إحداثِ مراكز للبحوث واستقطاب العقول كي لا تتحوّل الرؤوس إلى مجرد حاملةً لعينين لا تبصر بعد الأفق شيء وأذنان تسمعان ولا تفهمان ما يقال , وفمٌ أكولٌ لا يهتمُ إلا بحشو الكروش .

الدول المتقدمة تستثمر في ميادينِ الفكرِ، لأنّ العقلَ البشريّ من أثمن الثروات على هذهِ الأرض .

 * أخطرُ الأفكار هي الّتي تظهرُ لنا يانعةَ ناضجةً نحلمُ بامتلاكها والخوض في غمارها ولكنّها تجرفنا لحتفِنا.

 بعضُ البشر يمشون ولكن بعقولٍ ميّتة خاويةً لا قيمة لها وهذا ما يستخدمهُ بعض من احترفَ غسل الأدمغة البشرية فقتلُ العقولِ والقلوب يطفئ كلّ كوةٍ للأملِ وهؤلاء من سكانِ الطوائفِ المنغلقة يظهرون تحت تيارات سياسية أو دينيةٍ أو عرقيّة وكلّ إنسان خارج معتقداتهم مختلف يجب أن يخضعَ لهم ,وتظهرُ هذهِ الثمار السّامة القاتلة عندَ بعض من يدّعي علاقتهُ بالملكوت الأعلى فيظهر بصورة رؤوس الأموال عند الماديين وتكون غايتهم الوحيدة تجميع الاقتصاد العالميّ ورؤوس الأموال في أيدي قلة من البشر وحرمان الأغلبية من الخيرات فأيّنما كانوا حلّ الخراب والفقر والحروب .

أمّا عندّ الروحانيين فتظهرُ على شكل وسطاء بين الملكوت الروحي والإنسان الّذي غالباً ما تسيطرُ عليه الخرافة أو الخوف أو التربية المهزوزة في طفولتهِ وخوفهِ من كلّ ما يحيط به , فيتناول ثمار أفكارِهم اليانعةِ من الخارج ليتحوّل إلى وحشٍ مخيف يلتهمُ من حوله من بني جلدتهِ ذبحاً وقتلاً وتنكيلاً .

 هؤلاء العبيد يريدون تحويل العالم لمستعمرةٍ لهم فكلّ من يخالفنا كافر يقتل وغالباً تظهرُ الأفكار القاتلة عند رجل الدين المتطرف والسياسي المتطرف المصاب بلعنةِ الجنون والمنتشي من مستنقعات الشيطان وأعتقد هؤلاء الأخطر على البشريّة لأنّهم ذئاب بثوب حملان وهم وأتباعهم أكثر البشر .

وبذلك يختارُ كلّ إنسان أيّ شجرةٍ سيغرسُ في رأسهِ وأي تربةٍ ستغذيها وأيّ قيم روحية ستسقيها .فلنختار لنا ولأطفالنا الأفضل لأنّ المجتمع يبدأ بالفردِ المعافى المثمر المعطاء .

أيّها الإنسان لتنتقي أفكارك فهي رفيقة دربك والّتي ترسم لك طريق النجاح أو الفشل ولا تقلْ يوماً الوقت فات طالما في رأسك شجرة أنتَ من يرويها ويحميها .