د. محمد فتحى عبدالعال يكتب: البلاجرا ....عندما يتجسد الفقر!!!

د. محمد فتحى عبدالعال يكتب: البلاجرا ....عندما يتجسد الفقر!!!
د. محمد فتحى عبدالعال يكتب: البلاجرا ....عندما يتجسد الفقر!!!

البلاجرا  أو داء الذرة من أمراض سوء التغذية والبلاجرا كلمة لاتينية و تعني (الجلد الخشن ) ووضعت التسمية بواسطة  الدكتور (فرانسيسكو فرابولي ) في ميلان  عام 1771 ..

وتحدث الإصابة بالبلاجرا نتيجة لعدة أسباب، كلها تتركز حول نقص النياسين بالجسم (يعرف أيضاً بفيتامين ب3 وبحمض النيكوتينيك ). ويتمثل السبب الأول في النقص الغذائي لفيتامين النياسين ، وما له من دور أساسي في تجديد البشرة وزيادة تكوين الكولاجين .

أما السبب الثاني، فيرجع إلى افتقار الجسم إلى التريبتوفان، وهو حمض أميني أساسي موجود في فول الصويا واللحوم والدواجن والأسماك والبيض والذي يعمل الجسم على تحويله إلى النياسين في وجود فيتامين ب 6  والذي نقصه هو الاخر من اسباب المرض  ومن الاسباب الأخري ، الافراط في تناول الحمض الأميني اللوسين .

وثمة سبب أخر هو المتلازمة السرطاوية  (Carcinoid syndrome) ، وهو مرض تقوم فيه الأورام السرطانية بإفراز كميات كبيرة من السيروتونين مما يسبب استنزافاً للتربتوفان والذي يؤدي إلى نقص النياسيين .

وأعراض المرض هي : الحساسية الشديدة من اشعة الشمس ,الضعف العام, مشكلات بالجهاز الهضمي مثل الاسهال وضعف الشهية والقيء  بالاضافة الي بعض الاضطرابات النفسية مثل الشعور بالإرهاق ، الصداع ، ضعف الذاكرة ، الاتاكسيا ( فقدان الاتزان ( ، وعند تطور المرض يعاني المريض من الذهان الحاد وعلي صعيد أخر  يربط العلماء بينه وبين  مرض الفصام ، وقد يؤدي إلى الموت  .

 لوحظ المرض لأول مرة بين الفلاحين الإسبان في عام 1735  والذين كان يعتمد غذائهم بشكل أساسي على الذرة ، ومن هنا جاءت تسميته بداء الذرة   حيث ساد الأعتقاد و لقرون أن الذرة تحتوي إما على مادة سامة أو أنها حاملة للمرض.

غير أنه وبحلول عام 1926، استطاع الطبيب الأمريكي (جوزيف جولدبيرج) أن يبرهن على أن لمرض البلاجرا علاقة بالغذاء وأستطاع   استخلاص مادة فعالة  من خميرة البيرة تعالج مرض البلاجرا  هى النياسين .وفي كتاب (ساعة عدل واحدة: الكتاب الأسود عن المستشفيات المصرية) للطبيب البريطاني  (سيسيل ألبورت)  والذي عمل أستاذًا للطب الإكلينيكي بمدرسة طب قصر العيني بجامعة فؤاد الأول من عام 1937-1942 كان اختياره  للبلاجرا لتكون مرادفا للفقر في مصر راصدا حالتين انسانيتين في غاية الطرافه  وتدعو الي الرثاء أثرت فيهما البلاجرا علي القوي العقلية لمريضين أحداهما تخيلت أنها أميرة وافترشت الارضية الأسمنتية الباردة للمستشفي وقالت انها لن تترك مرقدها قبل أن يحضروا لها الملك فاروق لتتزوجه !!!

أما الحالة الأخري فقد أدعي أنه رأي الله في رؤيا مرتديا جلابية بيضاء ووجهه مشرق جميل وعيناه براقتان لا يجرؤ أحد أن يحملق فيهما سواه ويشرح ذلك وهو مقتنع بكل كلمة يتفوه بها !!! وحينما نسوق هذا المثال في معرض حديثنا  فالقصد منه تسليط الضوء علي حالات كثيره لدراويش ومجاذيب عصفت بالريف المصري وتصورهم الناس أولياءا لقصصهم عن رؤي واحلام هي في حقيقتها ربما كانت  أعراضا لهذا المرض ..وتعتبر الملوخيه الغذاء الواقي من البلاجرا لاحتوائها علي مادة الكاروتين , النياسين و الريبوفلافين (فيتامين ب2 ) وربما كانت الملوخيه التي ارتبطت بشخصية  الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله والذي استأثر بها وحرمها علي الشعب المصري  الي الحد التي سميت ملوكيه نسبة اليه نتاج وصفة طبية من أحد أطبائه للسيطره علي انفعالات الرجل وشذوذه العقلي والذي أنتهي به الي أدعاء الالوهيه!!! .....ولا يمكننا في هذا المقام  أغفال فائدة التمر لاحتوائه  علي النياسين ويتجلي الاعجاز العلمي فيه في قول  المصطفى -صلى الله عليه وسلم (بيت لا تمْرَ فيه جياعٌ أهلُه)  بالأضافة الي ضرورة أثراء الغذاء وتنوعه  بالأطعمة الغنية بالبروتينات كاللحوم والأسماك والبيض ومنتجات الألبان لغناها بالنياسين  وعلي الرغم من هذه الأهمية للنياسين الا انه لابد من توخي الحذر بشأنه في حالة مرضي السكر حيث يرفع من مستوي السكر كما أن الاستخدام الطويل له  والجرعات العالية منه (أكثر من 3 جم يوميا) قد تؤدي الي النقرس وتلف الكبد كما أنه عادة ما ينصح بتناول قرص أسبرين قبله بنصف ساعة لمنع الاحمرار وحكة الجلد التي تصاحب النياسين بسبب انطلاق البروستاجلاندين.

 

 

 

د.محمد فتحي عبد العال

صيدلي وماجستير في الكيمياء الحيوية

مسئول الجودة بالهيئة العامة للتأمين الصحي فرع الشرقية