محيى الدين إبراهيم يكتب: عقل الجنون ( الهلوسة الأولى والثانية)

محيى الدين إبراهيم يكتب: عقل الجنون ( الهلوسة الأولى والثانية)
محيى الدين إبراهيم يكتب: عقل الجنون ( الهلوسة الأولى والثانية)

كل شئ سيستقر في النهاية .. أنت لا تسبق الزمن للوصول إلى نهاية الرحلة لتستقر في غموض لا تعرفه .. والزمن لا يتحرك ليسبقك حتى تبلغ محطة وصولك قبل نضج وجودك ولو كان لحظياً .. الموت ليس محطة وصولك .. ولا البعث محطة وصولك .. فالرحلة ظاهرها معلن وباطنها خفي وماورائها غامض .. أنت الآن لا تتحرك داخل الزمن ولا الزمن يتفاعل داخل حركتك .. فالحياة والحركة والزمن .. لا يجمعهم رابط .. الكل مستقل .. وهنا عمق الغموض .. فاستقرار حركتك نظام مستقل .. واستقرار الحياة نظام آخر مستقل .. أما الزمن فنظام مختلف تماماً .. ربما يحدث التقاء ( اجتيازي ) بين مسار حركتك وبين مسار الزمن في لحظة هي عمر الحياة .. حياتك أنت .. ( كل ) زمنك .. زمن ( كل ) عمر حركتك .. حركتك العابرة وهي تمتطي ظهر تلك اللحظة .. كأن الزمن جسر .. فتأتي حياتك من حيز لا تعرفه لتعبر ذلك الجسر إلى حيز آخر لا تعرفه .. كل ماتيسر لك أن تعرفه هو أحداث وجودك فوق جسر الزمن وأنت تعبره .. أما أحداث وجودك قبل العبور وبعده فهي طلسم .. لغز .. جهل .. لن تعرفه حتى تستقر خارج نظام الزمن في محيط نقطة الوجود الكلي !!

ولاشك ( حتى الآن ) أننا لم نصل لتعريف يثبت عكس أن الشخصية الرئيسة للذات هي العقل .. أما الروح فهي محرك ( وقتي ) لكل شئ .. لكن تظل الشخصية .. البصمة .. النضج .. هي العقل .. الإتقان الوحيد في هذا العالم الذي لديه القدرة على تقديم خبرات الوعي للوجود .. هو العقل .. ربما تجري محاولات بائسة لإحتواء مايوجد على ( حدوده ) .. فالعقل له حواف ( حدود ) وله قلب ( عمق ) .. وحواف العقل هي الحلقة الأضعف فيه لكونها على خط المواجهه المباشر مع محيطك الذي تعيشه .. ومن ثم فهي المتأثر رقم واحد بإعادة صياغة سلوكك الطيب أو الخبيث .. فتقبل على سبيل المثال الظلم أو القهر أو العبودية برضا ( مزيف ) من خلال العوامل الخارجية المجتمعية التي تؤثر فيها كالعائلة .. الشارع .. الميديا .. الفيس بوك .. الزملاء .. الزوج .. الزوجة .. وحتى القطط والكلاب .. لكن في مركز العقل ( عمق العقل ) لا يمكن لأحد أن ينال منك .. لا يمكن لأحد أن ينال من إعادة تركيبه .. لا يمكن لأحد أن يخترق المركز ليعيد تأهيلك كما يريد هو أن تكون .. أو أن يعيد صناعة أفكارك .. أفكارك التي ربما تقفز فجأة فتمحي كل ماتم بذله من محاولات للسيطرة على حدود ( حواف ) العقل .. ولأن مركز العقل لديك يريد أن يسيطر ويعرف تماماً أن ( حافة ) عقلك هي النقطة الأضعف فهو يدفعك لتنضم إلى أسرة .. جماعة .. رابطة .. حزب .. دولة .. حتى تبث افكار ( مركز ) عقلك وسط محيط يشعر ظاهر شخصيتك بالقوة .. فتسيطر على ذلك المحيط من خلال اختراق حواف العقل عند شخوصه وإعادة تأهيلهم كماتريد أنت أن يكونوا .. فأنت في الحقيقة لا تنتمي لكل هؤلاء .. ولكنك في وعيك ( الخفي ) تريد أن تستغلهم جميعاً لنشر أفكارك .. أنت تنتمي فقط لأفكارك .. أفكارك التي ( تسبح ) على حافة عقلك بمجرد أن تمت ولادتها في مركزه .. أنت تنتمي فقط للشخصية التي هي عقلك ليس إلا .. ومع تزايد الأفكار تولد ( الفردانية ) .. الأنا .. تتويج الذات .. وكلما استطاعت فكرتك السيطرة على حافة عقول الآخرين .. حافة عقول الناس من حولك .. كنت أنت الفرد .. وكلما زادت غزارة أفكارك من مركز عقلك على حافة عقلك كان اختراق حدود هذا العقل من عقول الآخرين صعباً .. السيطرة عليك ستكون صعبة .. غزارة أفكارك من مركز عقلك لحوافه .. أشبه بسلاح سريع الطلقات .. وكلما آمن بفكرتك جماعة أو رابطة أو حزب أو دولة .. كانت قدرتك على الهيمنة هي سلاح ذاتك الذي هو عقلك .. مركز وجودك .. تتويج ذاتك .. ومن هنا تخلق الزعماء !

 

 

عودة

حين انسلخ النور من الظلام أدركت العتمة مرارة هزيمتها وعلى بوابات الفرح فقد الحزن بطاقته الشخصية .. كان لزاما أن اتخذ قراري في البقاء أو الرحيل .. استبدلت وجهي القديم بوجه ( أرضي ) .. استبدلت لجوئي إلى عودة .. غربتي إلى وطن .. موتي إلي حياة .. لن يسلبوا مني دياري !!

 

عشق خاص

صلى في عينيها للجمال .. لم يعد سرا سوى الاعتراف بسجود الملائكة لآدم .. آدم الذي خسر الخلود ( بإرادته ) بعدما غاب في عشق حواء !!!

 

 

للأبد

تمنت دوام محبته تلك التي يغدقها عليها كفارس، ويوقظ معها كل مشاعر الأنثي بداخلها من غيبوبتها، التي كادت أن تكون أبدية قبل أن تلقاه .. ما أروع أن تعثر امرأة علي رجل يمنحها قلبه للأبد .. أن يضمها في صدره للأبد ..

ولكن قبل أن يضمها إلي صدره العاشق …..

مخرج الفيلم صارخاً : ستووب .. برافو يا أساتذة .. أطبع ياحسين !!

 

الإشارة الثامنة عشرة

أجتاز الصحراء حتى وصل عند الجسر الفاصل بين وجوده وبوابات العشق .. قالت له حسناء من الجنة هيت لك فأستعصم .. ( لقد كان له شأن آخر ) .. هنا انفتح له باب الحلم فاستفاق .. كانت صحراء روحة أعظم من أن يمحو قبحها حسناء فيحيا .. كان نزيف ذكرياته أوسع من أن يحتويه حلم فينجو .. ( لقد كان له شأن آخر ) .. عند صراط النور ضاع ظله في ظل ضياعه فعرف حزنه .. ارتعشت قدماه تحت أقدام أرتعاشاته فأدرك خوفه .. لم يعد هناك خياراً سوى السقوط من أعلى الجسر أو عبوره .. ( لم يعد له شأن آخر ) .. عند صراط النور مازال منذ ألف عام واقفا عند الجسر الفاصل بين وجوده وبوابات العشق .. يرتجف !!

ولكن تبقى أسئلة .. 

هل عندما ينهي رحلته سيعود للحسناء ؟

وهل الحبّ عائق في رحلة النور أم أنّه معين؟

وهل أدركنا حقيقة الحبّ أم أن كثرة المتحدثين عنه أضاع هويّته؟

الحسناء ( هنا ) مزيفة .. ظاهر مدهش وباطن معطوب .. بمعنى أنها راودته عن نفسه فاستعصم لأنه يبحث عن روح الأنثى لا مظهرها يبحث عن باطن انثوي نقي حتى لو كان الظاهر لا يبديه ومن ثم فهو لن يعود للحسناء .. أما الحب عائق في رحلة النور .. نعم .. لأن الحب تملكه الغريزة وهو في رحلة عشق والعشق تملكه الروح وعليه فإن العشق هو وسيلة الحضور لبلوغ النور .. أما إدراك الحب الذي تملكه الغرائز فقد أدركناه حتى درجة التورط فيه .. أما العشق .. حقيقة العشق .. نعرفه .. لكننا لم ندركه .. لأننا لو أدركناه عند أول درجات معرفته بين رجل وإمرأة وحتى آخر درجة بين الذات الفاني ( الإنسان ) والذات الخالد ( الله ) لحمل الرجل إمرأته في أعمق نقطة في مركز قلبه ولأعطت المرأة لرجلها مفتاح لغز انوثتها للأبد حتى يصلا معاً لسطح العشق في نقطة وصل مع الذات الخالد فيخلدون.

 

وحي العشق

قال لي: الحب .. هو في كل جنون رغبة مسحورة في عالم الجمال .. وفي عالم الجمال يمتلك تعويذة الخلود .. مفتاح الدخول للروح المفعم بالحياة .. بث معلوم .. حيث أنت ليس أنت .. إنما في متعة وجود آخر .. خلق آخر .. رسول يتبع وحي العشق .. وفي كل عشق يُبعث من جديد .. ليُوحي إليه من جديد .. وحياً لا يحمل ( كلل ) .. ولا (ملل ) .. ولا غياب .. فيحيا القلب حضوراً بالمحبوب مفعماً بالنور .. في أنس الذات .. ومفطوماً بالصمت .. اللذة .. ومنحوتاً من ذهول .. ومسحوراً في عالم إلأمكان.. ليمتلك في المرة الأولى من وجوده الأزلي .. خاتم الأبدية .. ومفتاح الدخول للروح الطيب .. مأخوذا ببراءة طفل !!

 

سجود المهاجر

في السين (سين) .. خلعت نعليّ .. وتجردت من رمحي .. ثم سجدت سجود المهاجر إليه .. وفي النون ( نون ) .. أُريق به دم خطيئتي بعد الهجر .. وحين (خات) مني .. لا (خات) مني .. وإنما .. (شاد) قلبي .. ومددت يدي عند خزائن أحسانه .. حتى غمرني (سدام) الحضور .. منذ ألف عام .. وأنا في (سين) ذاتي .. أسجد سجود المهاجر لعله يأتيني بقبس !!

 

لا حات ولا عات

الظن .. فراغ القلوب .. وفي فراغ القلوب .. غياب البث المعلوم .. وفي غياب البث المعلوم .. تنحصر النفس بين بعضكم لبعض .. أبد يحفه الضلال .. لا حات يسبقه .. ولا عات يبلغه !!

 

 

كلما اقتربت يبتعد

حين أغفو داخل ظلى .. حين تكون غيبوبة الوعي وجود آخر .. لا أشعر بالغربة .. فهذا العالم المختفي في فراغي .. كاختفاء النور في الضوء .. واختفاء المعنى في الكلمة .. واختفاء القوة في الإرادة .. يراودني كل وجود .. وجهك ليس مألوفاً لكنه يؤنسني .. ربما حتى لا تسحقني الوحدة .. لم يراودني خارج الظل لأعرفه .. لكن كلما اقتربت يبتعد .. وكلما ابتعدت يقترب .. إنه يحافظ على نفس مسافة الضلال التي تحاصرني لأقفز منها إليه .. يحافظ على نفس سرعة المجون العالقة بأحشائي لألفظها فيحتويني .. يحافظ على نفس زمن الإنحلال الذي يستوطنني لأغترب فيه فأنتمي .. ببساطة .. يدفعني للهمجية لأستحضره .. يحاصرني في ( مشهد ) اللجوء لكهوف الغابة الكثيفة في أعماقي .. ربما أرى مآساتي .. أشهد ضالتي التي أجهلها فأعرفه كما يعرفني .. أعْرِفُهُ .. أعْرِفُ ( هُوُ ) .. حتى تأتي النجدة .. فأكون.