د. عمر محمد الشريف يكتب: المنشاوي باشا في نابلوي

د. عمر محمد الشريف يكتب: المنشاوي باشا في نابلوي
د. عمر محمد الشريف يكتب: المنشاوي باشا في نابلوي

زعيم طنطا الوطني أحمد باشا المنشاوي، واحد من كبار أعيان القطر المصري في العهد الملكي، كان موقفه من الثورة العرابية واضحاً، فعندما قامت الثورة في عهد الخديوي توفيق، كان المنشاوي باشا من أوائل الذين ساعدوا الزعيم أحمد عرابي بالنفس والمال والسلاح، وبعد الثورة العرابية ظل عَلى العهد لصداقة عرابي ولأسرته في أثناء منفاه بجزيرة سيلان (سريلانكا حالياً) وكان راعياً لأسرة عرابي وظلت المراسلات بينه وبين عرابي لاتنقطع.

وبناءاً عَلى تلك العلاقة القوية بين المنشاوي باشا والزعيم أحمد عرابي لقى المنشاوي الكثير من المضايقات وكثر مراقبوه وكانت الجواسيس لا تفارقه أينما وجد، فاضطر لترك البلاد لمدة خمس سنوات، ليرحل الباشا إلى الشام ثم انتقل إلى تركيا حيث استقر بها فترة حتى مل الإقامة بها.

أراد الهجرة إلى أوروبا فاقترح عليه السفير الفرنسي أن يذهب إلى تونس وأكد له إذا ذهب إليها سيجد راحة البال والإكرام فقبل المنشاوي وعقد العزم عَلى الرحيل إليها واعطاه السفير خطاب توصية إلى معتمد فرنسا في تونس وأخبره أنه بعث خطابا آخر للمعتمد.

وقرر المنشاوي أن يسافر أولاً إلى مدينة نابولي بإيطاليا قبل أن يرحل إلى تونس، لمقابلة الخديوي إسماعيل باشا الذي كانت تربطه به علاقة طيبة وكان إسماعيل باشا قد استقر فترة بنابولي بعد أن أصدرً السلطان العثماني عبد الحِميد الثاني فرماناً بعزله في 26 يونيو 1879م وتنصيب ابنه الخديوي توفيق.

قابل المنشاوي باشا إسماعيل باشا بعد أن رحل من الأستانة وعرض ما أشار به السفير الفرنسي عليه،وأثناء إقامة المنشاوي بنابولي وقبيل ًسفره إلى تونس وبينما كان يجلس فِي أحد المحال العمومية إذ برجل إيطالي كان يعمل بالتجارة في الإسكندرية قبل الثورة مر به وعرفه، فسلم عليه وجلسا معاً يتجاذبون أطراف الحديث، وقد سأل الرجل المنشاوي باشا عن محل اقامته فوصفه له وطلب منه أن يوالِ زيارته ما دام يقيم فِي نابلوي.

ولما افترقا توجه هذا الرجل إلىالجمعيات الخيرية وقال لرؤسائها:
كيف يوجد بيننا الرجل الذي حمى المسيحيين والاجانب يوم مذبحة طنطا خلال الثورة العرابية وتلطخت ثيابه بدماء القتلى منهم الذين كان يحملهم من الشوارع وهم جثث هامدة وآوى الكثير منهم في منزلة بالقرشية وسفرهم إلى بلادهم عَلى حسابه، ولم تعلموا بوجوده هنا ولم تحتفلوا به وتجروا له المظاهرات الودية؟. فاجتمع أعضاء هذه الجمعيات وقرورا فيما بينهم إجراء مظاهرة تقدير وتعظيم للمنشاوي باشا.


وفي اليوم الثاني استيقظ المنشاوي من منامه فوجد المئات من أعضاء هذه الجمعيات أمام منزله فنزل ورحب بهم واعتذروا له عن عدم علمهم بوجوده فِ نابولي ودعوه إلى مأدبة أقاموها له وأتى إليه رؤساء وأعضاء هذه الجمعيات وكثير غيرهم من أكابر القوم تصاحبهم الموسيقي وعملوا له موكباً حافلاً، وكان يوماً مشهوداً حيث غصت الشوارع بالمتفرجين وكان المنشاوي يسير فِ مقدمة الموكب ومن خلفه الِشود حتِّ وصلوا إلى محل الاحتفال حيث تليت الخطب الرنانة فِ مديح المنشاوي وتعداد مآثره عَلىالأوروبيين وفي وصف المذبحة التي حدثت بطنطا.


وكان المنشاوي واقفاً على منبر، وبين كل خطبة وأخرى يُقلد نيشاناً فاخراً وهو يذرف الِدموع، وأقام المنشاوي معظماً محترماً حتى سافر إلى تونس،وقوبل بكل حفاوة وترحاب واستقر بها فترة حتى عاد إلى مصر.