راغدة شفيق محمود و محمد عبد العال يكتبان: ولادة وابن زيدون ....العشق في موازين العلم

راغدة شفيق محمود و محمد عبد العال يكتبان: ولادة وابن زيدون ....العشق في موازين العلم
راغدة شفيق محمود و محمد عبد العال يكتبان: ولادة وابن زيدون ....العشق في موازين العلم

كم تشبهين البدر يا ولادة لقد اكتملت مفاتنكِ وحباكِ الشّعر أعذب كلماتهِ والجمالُ استوطنَ في ملامحكِ . الكلّ يطمحُ بأن ينالَ رضاكِ . هم الرجالُ يتهافتونَ على مجلسكِ بغيةَ العطاءِ وتحقيق الشّهرةِ . وهذا الشّابُ الوسيمُ الّذي خطفَ قلبكِ وتوغلَ بهِ حدّ أن تحديتِ ظلامَ الليلِ الدامسِ لتلتقيهِ بثوبكِ الحريري المرصعِ بالذهبِ وقد خطّ عليهِ بيتين من الشّعر للغوايةِ والتحرّر من قيودِ المجتمع. أنا والله أصلحُ للمعالي وأمشي مشيتي وأتيهُ تيها وأمكّنُ عاشقي من صحنِ خدي وأعطي قبلتي من يشتهيها كم من لائمٍ سجلكِ بينَ الفاجرات العاهراتِ , على الرّغمِ من الكثير من الأقوال الّتي سُجلت عن عفتكِ وطهارتكِ . هلْ هو الحبّ الّذي يفتكُ في القلوب ننسى العادات والأعراف في مجتمعاتنا , هلْ يسامحُ الله العاشقين . هي تساؤلاتٍ نطرحها أمامَ هذين العاشقين وقد اجتمعا في ظلامِ الليل خشيةَ أقوالِ الوشاةِ . ترقب إذا جنّ الظّلام زيارتي فإني رأيتُ الليلَ أكتمُ للسّرِ وبي منكَ ما لوكانَ بالشّمسِ لم تلح والبدر لم يطلع وبالنجمِ لم يسر .

ابن زيدون يطمئن قلبها الخافق بالحبّ .فهو يصونها ويخافُ عليها حتّى من خطراتِ فكرهِ . أصونكِ من لحظاتِ الظنونِ وأعليك من خطراتِ الفكرِ وأحذرُ من لحظات الرّقيب وقد يستدام الهوى بالحذر .

بعد وفاةِ والدها أضعف خلفاء البيت الأمويّ في الأندلس وهو الخليفة المستكفي بالله وقد كانت ولايته لعام ونصف . قضاها في العبث واللهو والملذات وحينما وصل عدوه إلى أبواب قرطبه آثر السّلامة وفرّ في زي امرأة ليلقى مصرعه علي يد أحد مرافقيه في رحلة الفرار طمعا في ماله ..بالطبع كان أثر الأب واضحا في شخصيّة ابنته ولادة.كانت ولادة الأميرة الشّقراء الجميلة أوّل من رفعَ الحجاب في تاريخ الأندلس ..أما المحبّ المخلص ابن زيدون والذي تولى الوزارتين في عهد الوليد بن جهور صاحب قرطبة فقد اشتهر بطموحه وذكائه وشعره الرائع الّذي سلبَ القلوب وهذا ما كانَ مصيبةً على الشّاعرِ . ولادة تمتلكُ صالوناً أدبيا يجتمعُ فيه الشّعراء والأدباء وفي هذا الصالون شهد ميلاد الحبّ بين ولادة وابن زيدون ويبدو أنّه شهدَ موت هذا الحبّ في قلبِ الأميرة الّتي جرحها ابن زيدون جرحاً لا شفاءَ منهُ نزفَ قلبها حتّى الموتِ . هي الشّاعرة السّيّدة لا قمر في سماءِ قرطبة إلا هيَ .

احتار المؤرخون في تفسير السّبب الذي أدى إلى كلّ هذا الجفاء ففسره البعض بأبياتٍ شعرية كتبها ابن زيدون في غزل جاريتها السّوداء , رأت فيها ولادة انتقاصا من مكانتها وقيل السّبب هو ميول ابن زيدون السّياسية ضدّ البيت الأموي الحاكم في قرطبه .ولكنني كأنثى أجد أنّ الغيرة تقتل المرأة وخاصة المرأة الحرّة الأصيلة لا تقبل أن تكون الثانية في قلب حبيبها الذي تهبه قلبها بإخلاص وزادني ثقة أنّها توفيت في الثمانين من العمر ولم تتزوج . فهي لا تقبل إلا أن تكون الوحيدة في قلبِ الرجل الّذي تختارهُ ويبدو هذا مستحيلاً أن تجده أميرة متمردة كولادة رجلاً بقلبٍ واحد في الحبّ . لو كنتَ تنصفُ في الهوى ما بيننا لم تهوَ جاريتي ولم تتخيرِ وتركتَ غصنا مثمراً بجمالهِ وجنحت للغصن الّذي لم يثمرْ... وذكر البعض ابن عبدوس ذاك الرجل الوزير الذي أحبّ ولاده وغيرته من ذاك الحبّ فظهرت المكائد والدسائس .وهو يدخله السّجن لسنواتٍ طوال . وفي محبسه لم ينسَ ابن زيدون محبوبته الخالدة في قلبه فكان حبّه لها عزاءاً له في وحدته في ظلمة السّجن حتّى وإن لم يلقَ من ولاده غيرَ الجفاء والنكران . .. أخيرا واتت ابن زيدون الفرصة للفرار فأين قادته قدماه ؟!!..وجد خطواته تقوده إلى الحديقة التي شهدت لقائهما الأول وفي عبثيه انتظر محبوبته أن تأتي ليراها قبل أن يرحل عن قرطبة وأنشد أبياته الخلابة وقد أعياه الانتظار دون رجاء. : أضْحَى التّنائي بَديلاً منْ تَدانِينَا، وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينَا بنتم وبنّا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا كتبها منذ أكثر من ألف سنه ولا زال العشاق تغني أبياتها . هذه الأبيات لم تؤثر في نفسِ ولاده المنكسرة وهو ابن زيدون يتابع رحلة الحبّ بقلبٍ محترقٍ نثرَ رمادهُ في أشعارٍ من أعيان الشّعر العربيّ . وماتت ولاده عجوزاً تعيشُ على حبّ قديم كسر جناحاها . .. بعد أن انتهت رحلتنا مع هذه القصة الجميلة لم ينتهِ لقاؤنا بكم فبقي أن نسأل أنفسنا هل الحبّ حقيقة أم وهم نختلقه ونعيشُ في عذابه ؟؟ هل هو اختيار نملكُ التحرر منه أم أنّه قدرٌ ومرضٌ لا وسيلة للفرارِ منه؟ بالبحث في كيمياءِ الجسم ففي وقت الحبّ تجتمع لدينا ثلاثة نواقل عصبيّة رئيسة لكلّ واحد منها دوره هم : الأدرينالين والدوبامين والسيروتونين الادرينالين هو المسؤول عن مشاعر الخجل ودقات القلب المتسارعة واحمرار الوجه والعرق وكلّ هذه الأعراض التي تصيبنا عند رؤية الحبيب وانتظاره. أما الدوبامين فهو المسؤول عن شعور السعادة مع الحبيب في شعور أشبه بالكوكايين سواء بسواء أما السيروتونين فيفسر لماذا يشعر المحب بأفكار محبوبته باستمرار والعكس..

انتظر أيّها العلم لم تجيبنا لماذا نشعر بالحاجه إلى التواجد بالقرب من المحبوب دوما للشعور بالهدوء والطمأنينه؟إنّه هرمون التعلق الذي يوثق الروابط بين العاشقين المعروف علميا بهرمون الاوكسيتوسين . أما عادة الرجال في الاحتفاظ بمناديل محبوباتهم فيفسرها وجود الفيرومونات وهي نواقل كيميائية داخل الجسم هي المسؤولة عن كون رائحة المعشوق أداة قوية للجذب .. وفي النهاية نستطيع هل كان الحبّ اختيارا لابن زيدون وولادة ؟ ..الإجابة لا بل كان قدراً لا فكاك منه فكيمياء الجسم تتغير مع الحبّ وكما تغير المخدرات في كيمياء الجسم بصورة يصعب إعادتها إلى وضعها الأوّل فالحبّ أدهى وأمر .

 

 

استاذه راغدة شفيق محمود الباحثة السورية في علم اللغة

د.محمد فتحي عبد العال كاتب وباحث مصري