على ما يبدو أن ظاهرة التنمر ما زالت فى حالة الانتشار على الرغم من صدور قانون يجرمها، والتنمر هو ظاهرة عدوانية وغير مرغوب بها تنطوى على ممارسة العنف والسلوك العدوانى من قبل فردٍ أو مجموعة أفراد نحو غيرهم، وتنتشر هذه الظاهرة بشكلٍ أكبر بين طلّاب المدارس، وبتقييم وضع هذه الظاهرة يتبيّن أن سلوكيّاتها تتّصف بالتّكرار، بمعنى أنها قد تحدث أكثر من مرة.
ليس ذلك فقط بل إن ظاهرة التنمر تعبّر عن افتراض وجود اختلال فى ميزان القوى والسلطة بين الأشخاص؛ حيث إن الأفراد الذين يمارسون التنمّر يلجأون إلى استخدام القوّة البدنيّة للوصول إلى مبتغاهم من الأفراد الآخرين، وفى كلتا الحالتين، سواءً أكان الفرد من المتنمرين أو يتعرّض للتنمّر، فإنه معرّض لمشاكل نفسيّة خطيرة ودائمة.
أنواع التنمر.. يسخر قوم من قوم
فى التقرير التالى يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية التنمر والفرق بينه وبين النقد المباح أو غير المباح، حيث توجد أنواع محددة لسلوكيات التنمر والتى تشمل ما الإساءة اللّفظية أو الخطيّة: مثل استخدام أسماء أو ألقاب الأفراد كنكات، أو عرض ملصقات مسيئة للآخرين، واستخدام العنف: يشمل كذلك التهديد بالعنف، وكذا التّحرش الجنسي: يعتبر سلوكاً غير مرحب به ومزعج جداً، ويُسبب الخوف، والإهانة للضحيّة، وقد ينتج عنه جريمة ما، وكذا التمييز العنصري: الذى ينطوى على معاملة الناس بشكل مختلف حسب هويّتهم، فضلاَ عن التسلّط الإلكتروني: وذلك باستخدام الإنترنت أو الهاتف للتهديد أو الإجبار، بحسب الخبير القانونى والمحامى هشام الكودى.
فى البداية تعتبر جريمة التنمر من الجرائم الماسة بالشرف والاعتبار ويعتبر الشرف والاعتبار المكانة التى ينالها الشخص فى الجماعة، وتتكون من رصيد سمعته الموروث والمكتسب وناتج تصرفاته وسلوكه فى محيط مجتمعه، وتتحدد تلك المكانة وفقا لمعيار موضوعى قوامه الرأى العام فى المجتمع الذى يعيش فيه لا طبقا لآراء الشخص عن نفسه، وإذا كان "حق النقد" هو أحد أوجه الحرية فى التعبير عن الرأى لكن هذا النقد له حدوده التى ترتكز على الواقعة دون المساس بشخص صاحبها من أجل مصلحة المجتمع، فلا يجوز تخطيها وإلا وقع التجاوز فى حدود جريمة القذف أو السب أو التنمر، فهذه الجريمة لا تتعارض مع حرية التعبير لأنها لا تقع اعتداء على الرأى، وإنما تقع اعتداء على الشخص، وفقا لـ"الكودى".
عقوبة التنمر
وفى محاولة من المشرع المصرى لمواجهة التنمر، فقد صدر القانون رقم 189 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 بإضافة المادة الآتية: تنص المادة 309 مكررا ب من قانون العقوبات على أن: "يعد تنمرا كل استعراض قوة أو سيطرة للجانى أو استغلال ضعف للمجنى عليه أو لحالة يعتقد الجانى أنها تسىء للمجنى كالجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعى بقصد تخويفه أو وضعه موضع السخرية أو الحط من شأنه أو اقصائه عن محيطه الاجتماعى".
ومع عدم الإخلال بأى عقوبة أشد منصوص عليها فى أى قانون آخر يعاقب المتنمر بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على 30 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد عن 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة من شخصين أو أكثر أو كان المجنى عليه من أصول المجنى عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه أو كان مسلما إليه بمقتضى القانون أو بموجب حكم قضائى أو كان خادما لدى الجانى أما إذا اجتمع الظرفان يضاعف الحد الأدنى للعقوبة، وفى حالة العود تضاعف العقوبة فى حديها الأدنى والأقصى.
تعريف التنمر
يمكن تعريف التنمر بأنه كل استعراض للقوة أو فرض للسيطرة وتعمد الإهانة والتحقير من قبل شخص الجانى على المجنى بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو الاوصاف البدنية أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعى، وذلك بغرض إظهار الأفضلية على الشخص المجنى عليه من قبل الجانى.
الركن المادى للجريمة
التنمر جريمة تقع بتعمد الحاق اذى بدنى أو نفسى على شخص معين مستغلا فيها الجانى، أما حالة ضعف لدى المجنى عليه أو اتصافه بصفة يرى فيها الجانى أنها محل تحقير وازدراء مثل العرق أو الجنس أو الدين أو اللون أو الحالة البدنية لدى المجنى عليه، ويتحقق التنمر وفقا لنص المادة بالقول أو الفعل مثل تعمد التحقير بعبارات يرى الجانى فيها أنها تحط من قدر المجنى عليه مثل معايرته بلونه أو بهزالة جسده أو بدانته أو مستواه الاجتماعى، وذلك بتعمد الجانى إظهار أن له ميزة عن الشخص المتنمر عليه وتكون بالفعل مثل الاستقواء على المجنى عليه لعلة فى جسده تمنعه من الدفاع عن نفسه مثل ضعف القوة البدنية أو البدانة المفرطة التى تعيق المجنى عليه من الدفاع عن نفسه أو وجود عيب خلقى بالمجنى عليه وكل هذه الامور يستغلها الجانى فى إظهار القوة أو فرض السيطرة أو تعمد التحقير من شخص المجنى عليه واهانته وإظهار افضلية عليه مع علمه أن المجنى عليه لا يستطيع دفع هذا الاعتداء.
هذا ولم تشترط هذه المادة طريقة معينة أو مكان معين لوقوع الجريمة، وذلك عكس جريمة القذف التى تشترط العلانية فى بعض أركانها، فتتحقق الجريمة فى كل مكان وفى أى وقت وبأى طريقة فقد تحدث على جسد المجنى عليه بصورة مباشرة أو عن طريق المواقع الإلكترونية أو بأى طريقة أخرى من شأنها أن تتحقق بها الجريمة، هذا ولم تشترط المادة التكرار فيكفى وقوع فعل التنمر مرة واحدة لتتحقق الجريمة.
الركن المعنوى
جريمة التنمر جريمة عمدية يتعين فيها توافر القصد الجنائى، فيتعين أن تتجه إرادة الجانى الى فعل التنمر، فيتعين أن تتجه إرادة الجانى إلى إلحاق أذى بالمجنى عليه بالقول أو الفعل مع علمه بذلك ومع علمه بظروف المجنى عليه الصحية أو النفسية أو الاجتماعية كأن يعيره بمستواه الاجتماعى مع علمه بذلك أو أن يستعرض عليه قوته مع علمه بضعف قوته البدنية أو بلونه، وهكذا كأن يقول له يا أسود أو يا أعمى إذا كان المجنى عليه ضريرا وما إلى ذلك من الألفاظ والعبارات التى من شأنها التحقير من المجنى عليه والتعمد من الحط من كرامته بسبب ظرف من هذه الظروف.
ومتى توافر القصد الجنائى وقعت الجريمة دون اشتراط تحقق نية الأضرار فيه فلا أثر للباعث على الجريمة شريفا كان أم خبيثا، وبالتالى ليس للجانى ان يدفع عن نفسه التهمة بدعوى أنه كان حسن النية او ان ما فعله كان على سبيل المزاح.
وجب التفريق بين النقد والتنمر
فالنقد هو إبداء الرأى فى أحد التصرفات دون المساس مباشرة بشخص صاحبها ولا شك فى أن هذا النقد من شأنه تبصير المجتمع بما ينطوى عليه التصرف من خطأ وتوجيه إلى الصواب، ويستند الحق فى النقد الى ما للناس من حرية التعبير عن آرائهم، ولذا يعد حق النقد بوصفه من صور حرية التعبير، وقد ينصب الانتقاد على نسبة واقعة معينة لو صحت لوجب عقاب من أسندت إليه او احتقاره لكنه مع ذلك يظل فى دائرة المشروعية مادام الناقد لم تجاوز الإطار المرسوم لحق النقد.
فإذا صدر الرأى بعيدا عن الواقعة التى ينسبها إلى المجنى عليه يكون قد انحرف عن أصول حق النقد ويجب أن يلتزم هذا الرأى بالعبارة الملائمة والالفاظ المناسبة للنقد وذلك بحسب النقد ليس إلا وسيلة للبناء لا للهدم فاذا ما استعمل الجانى عبارات فيها مساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته فلا يكون ثمة محل للحديث عن النقد المباح.
النقد المباح: هو مجرد إبداء الرأى فى أمر أو عمل دون أن يكون فيه مساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته، تجاوزه هذا الحد، وجوب العقاب عليه باعتباره مكونا لجريمة السب أو القذف.
وهذا ما أقرته محكمة النقض واستقرت عليه فى تعريفها للنقد المباح بأنه "من المقرر أن القصد الجنائى فى جريمة السب أو القذف يتوفر إذا كانت المطاعن الصادرة من الساب أو القاذف محشوة بالعبارات الخادشة للشرف والألفاظ الماسة بالاعتبار فيكون علمه عندئذ مفترضاً، ومتى تحقق القصد فلا يكون هناك ثمة محل للتحدث عن النقد المباح الذى هو مجرد إبداء الرأى فى أمر أو عمل دون أن يكون فيه مساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته، فإذا ما تجاوز النقد هذا الحد وجب العقاب عليه باعتباره مكوناً لجريمة السب أو القذف، وذلك وفقا للطعن رقم 482 لسنة 34 القضائية.
وعلى ذلك فإنه لا يعد تنمرا مجرد إبداء الرأى فى أمر أو عمل دون أن يكون فيه مساس بشخص صاحب الأمر أو العمل فطالما كان النقد موجها إلى عمل الشخص وبالأصول المرعية فى ذلك فلا يعد ذلك تنمرا، أما إذا تجاوز الأمر ذلك واستطال إلى التعرض للشخص ذاته فإنه يكون قد انحرف عن النقد المباح ويمكن أن يعد فى هذه الحالة تنمرا يعاقب عليه القانون.
الخلاصة
أما عن عقوبة التنمر فهى الحبس والغرامة فمدة الحبس لا تقل عن 6 أشهر والغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد على 30 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين فقد ترى المحكمة الاكتفاء بالحبس أو بالغرامة أو الحكم بهما معا ولا معقب عليها فى ذلك وفقا لظروف كل دعوى على حدى، إلا أن نص المادة قد وضعت ظرفا مشددا من شأنه لو توافر أن تكون العقوبة مشددة فى عدة حالات:
1- إذا وقعت الجريمة من شخصين أو أكثر.
2- إذا وقعت الجريمة من أصول المجنى عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن له سلطة عليه أو كان مسلما اليه بمقتضى القانون أو بموجب حكم قضائى.
3- إذا كان المجنى عليه خادما لدى الجاني.
4- فى حالة العود تضاعف العقوبة فى حديها الأدنى والأقصي.
5- وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد عن مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع