الحبيب على الجفرى يكتب: الإنسانية قبل التدين.. تصحيح مفاهيم التعامل مع غير المسلمين.. أخلاقيات التدين تنأى بصاحبها عن مقارفة العنف فى القول.. ولا ينبغى أن نأخذ نصًا واحدًا ونخرجه عن السياق الكلى

الحبيب على الجفرى يكتب: الإنسانية قبل التدين.. تصحيح مفاهيم التعامل مع غير المسلمين.. أخلاقيات التدين تنأى بصاحبها عن مقارفة العنف فى القول.. ولا ينبغى أن نأخذ نصًا واحدًا ونخرجه عن السياق الكلى
الحبيب على الجفرى يكتب: الإنسانية قبل التدين.. تصحيح مفاهيم التعامل مع غير المسلمين.. أخلاقيات التدين تنأى بصاحبها عن مقارفة العنف فى القول.. ولا ينبغى أن نأخذ نصًا واحدًا ونخرجه عن السياق الكلى

إذا كان الإطار القيمى لعقد الذمة جوهره عدم الظلم والإيذاء؛ وأن لهم ما لنا وعليهم ما علينا؛ فكيف نتعامل مع أحاديث صحيحة من قبيل لاَ تَبْدَؤوهُمْ بِالسَّلاَمِ وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فى الطَّرِيقِ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِ الطَّرِيقِ؟

 

يميز الإمام القرافى فى كتابه الفروق بين تصرفات الرسول عليه الصلاة والسلام بالتبليغ؛ فتصبح حكماً عاماً على الثقلين إلى يوم الدين، وبين تصرفاته صلى الله عليه وسلم بالإمامة؛ التى تعد من قبيل الأحكام السلطانية أو السياسة الشرعية.

 

فحديث «أهل الكتاب لا تبدؤوهم بالسلام»؛ فهمه بعض الفقهاء على أنه تبليغ وتشريع، لأن صيغة «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» نوع من العبادة، مثلما يقول المسيحى لأخيه المسيحى «سلام ونعمة»، ولا يقولها لمسلم، لأنها نوع من التعبير الكنسى.

 

إلا أن البعض الآخر فهموا من الحديث ارتباطه بحدث متعلق بيهود المدينة الذين كانوا يسلمون على النبى صلى الله عليه وسلم فيقولون: السام عليك، أى الموت والهلاك، فلما خرج الرسول عليه الصلاة والسلام لقتال بعضهم قال: لا تبدؤهم بالسلام، وبمساندة أحاديث أخرى منها: «إنى راكب غداً إلى يهود، فلا تبدؤوهم بالسلام، فإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم».

 

وقد أشار ابن القيم إلى هذا الاختلاف فى الفهم؛ وهل هو حديث حال وقضية خاصة بيهود بنى قريظة، ويحمل على من كانت حاله فى الغدر مثل حالهم، أم أنه حكم عام فى أهل الكتاب، وقد اختلف السَلَفُ والخَلَفُ فى ذلك، فقال أكثرُهم: لا يُبدؤون بالسلام، وذهب آخرون إلى جواز ابتدائهم كما يُردُّ عليهم، وقال الأوزاعىُّ: إن سلَّمْتَ فقد سلَّمَ الصالحونَ، وإن تركتَ فقد ترك الصَّالِحون.

بل حبر الأمة ابن عباس رضى الله عنهما قال: ردوا السلام على من كان يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً، لو قال لى فرعون بارك الله فيك قلت وفيك وفرعون قد مات. وهو الفقه الذى تعلمه فى بيت النبوة فى قوله صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين:»مهلاً يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش»، لمجرد أنها ردت على إساءة اليهود.

 

فأخلاقيات التدين تنأى بصاحبها عن مقارفة العنف فى القول وتربط على لسانه بجماليات الرفق الذى ما دخل فى شىء إلا زانه، وما نزع من شىء إلا شانه، لأن الله تعالى رفيق يحب الرفق ويرضاه ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف قولاً وفعلاً.

 

كذلك يقول الحافظ القرطبى فى المفهم: ليس معنى ذلك أنا إذا لقيناهم فى طريق واسع أنَّا نلجئهم إلى حَرْفِه حتى نضيِّق عليهم، لأنَّ ذلك أذى منا لهم من غير سبب، وقد نهينا عن أذاهم.

 

ما المقصود بالكلام هنا؟

أنه لا ينبغى أن نأخذ نصًا واحدًا ونخرجه عن السياق الكلى، ونكُرّ به على الأصل فى المسألة.

لو قيل إن المسيح ضد السلام لأنه قال: ما جئت لألقى سلاما؛ بل سيفاً، نقول له أنت لم تفهم كلام السيد المسيح، خذ هذا الكلام وضمه إلى آخر وثالث ورابع تفهم بالمجموع مقصود السيد المسيح.

 

إذًا المسألة هنا تتعلق بعدم اجتزاء نص والكرّ به على النصوص الأخرى، أو رفض النص ابتداراً، فهذا يربك الإنسانية، ويجعلك تعيش حالة من التشتت والارتباك النفسى وتزعزع للثوابت، والخطر أن المفاهيم كل ساعة تُنقض ولا نقول تُصوب.

 

ولهذا نقول لا يجوز أخذ الحكم الشرعى من نص ولو كان صحيحاً، حتى تجمع إليه النصوص الأخرى فى نفس الباب، ولا تستطيع فهم اللوحة من قطعتى puzzle، بل تحتاج إلى تركيبها جنباً إلى جنب.

 

 

 

 

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع