سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 29سبتمبر 1961وفاة عالم الآثار سليم حسن الذى أحاله الملك فاروق إلى المعاش مبكرا فأبدع موسوعة «مصر القديمة» فى 16 جزءا ومؤلفات أخرى

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 29سبتمبر 1961وفاة عالم الآثار سليم حسن الذى أحاله الملك فاروق إلى المعاش مبكرا فأبدع موسوعة «مصر القديمة» فى 16 جزءا ومؤلفات أخرى
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 29سبتمبر 1961وفاة عالم الآثار سليم حسن الذى أحاله الملك فاروق إلى المعاش مبكرا فأبدع موسوعة «مصر القديمة» فى 16 جزءا ومؤلفات أخرى

حين يذكر تاريخ مصر أسماء البنائين العظام للفكر والوعى المصرى، سيكون فى طليعة هذه الأسماء، عالم الآثار الدكتور سليم حسن، الذى توفى يوم 29 سبتمبر «مثل هذا اليوم، عام 1961»، فهو عبقرية شخصية مصرية فذة ، تتميز بالوطنية الصادقة، والشجاعة النادرة، والمقدرة الفائقة على العمل والبحث والدراسة ، حسب تأكيد «مختار السويفى» فى مقدمته لموسوعة «مصر القديمة»، مضيفا: «هى أعظم موسوعة فى التاريخ المصرى القديم وتاريخ الحضارة المصرية القديمة، فهى تعد الموسوعة المتكاملة الوحيدة- فى أية لغة من لغات العالم- التى وضعها وصنفها عالم واحد بمفرده، تناول فيها شرحا دقيقا وتحليلا مستفيضا عن مراحل وتاريخ الحضارة المصرية، بدءا من عصور ما قبل التاريخ حتى قرب نهاية العصر البطلمى».

 

ولدت هذه الموسوعة من رحم المعاناة، يكشف الإهداء الذى كتبه سليم حسن فى الجزء الأول منها عن ذلك، يقول: «إلى الذين أرادوا الإساءة إلى فأحسنوا، وباعدوا بينى وبين الوظيفة فقربوا بينى وبين الإنتاج وخدمة العلم».

 

الإساءة التى يقصدها سليم حسن، دون إفصاحه عنها، يوضحها «السويفى» قائلا: «فى عام 1936 عين وكيلا لمصلحة الآثار المصرية، وهو أول مصرى يشغل هذا المنصب، الذى كان مقصورا على الأجانب، الأمر الذى أثار حفيظة بعض هؤلاء العلماء، فوقفوا ضده»، ويكشف: «كان قد اتصل بالقصر الملكى لاسترداد مجموعة قطع أثرية، كانت فى حيازة الملك فؤاد، فأعادها الملك إليه لعرضها بالمتحف المصرى بالقاهرة، لكن عندما تولى الملك فاروق عرش مصر بعد وفاة أبيه، طالبه بإرجاعها باعتبارها ممتلكات خاصة لأبيه، فرفض حسن هذا الطلب، وازدادت بالتالى فرص المؤامرات ضد وجوده فى المناصب الرسمية بالآثار، إلى أن أحيل إلى المعاش عام 1939، وعمره ستة وأربعين عاما، «مواليد 8 إبريل 1893، قرية ميت ناجى - ميت غمر- محافظة الدقهلية».

أحدث هذا القرار «ضجة عنيفة بين عامة الشعب»، حسب تأكيد صبرى أبوالمجد فى الجزء الثانى من كتابه «سنوات ما قبل الثورة»، لكنه وفقا للسويفى: «كان فاتحة خير، حيث تفرغ للبحث العلمى والتاريخى، فانكب على تأليف الموسوعة التاريخية الرائعة من 16 جزءا، وتأليف كتابه القيم «فى الأدب المصرى القديم أوأدب الفراعنة»، الذى يتكون من جزئين، بالإضافة إلى البحوث العلمية التى تنشر فيها اكتشافاته الأثرية باللغة الفرنسية والإنجليزية والألمانية، كما نشر ترجمة عربية لكتابه العلمى عن أسرار أبى الهول، الذى كتبه باللغة الإنجليزية، كما أصدر كتابين عن تاريخ أوروبا وتركيا، كما ترجم إلى اللغة العربية كتاب «فجر الضمير» تأليف «بريستيد».. وهكذا بلغت أعماله حوالى 50 عملا بين مقالات وبحوث وكتب».

 

يؤكد هذا الإنتاج العلمى الغزير أن «سليم حسن» من البنائين العظام فى تاريخ مصر، وجاء بعد مرحلة حركته على الأرض، التى كان يؤسس فيها مع غيره لبناء الدولة المصرية بأيادى أبنائها، فحسب صبرى أبوالمجد: «فى ثورة 1919 حدد الإنجليز إقامته لنشاطه الوطنى، وبعد الثورة دخل ميدان الحفريات، وكان مقصورا على الأجانب، وخاض المعارك العنيفة مع الأجانب الكبار الذين كانوا يسيطرون على دنيا الآثار المصرية، وفى مقدمتهم الأب دريتون، الذى كان يتمتع بحظوة كبيرة عند الملك فاروق ورجال قصره، وكان «حسن» يدعو باستمرار إلى أن يكون التاريخ المصرى، تاريخ شعب لا تاريخ حكام، فتاريخ الشعب هو الذى يمكن أن يعتد به الشعب».

 

يذكر «السويفى»: «حصل على البكالوريا عام 1909، ثم دبلوم المعلمين، والتحق بالمدرسة المسائية العليا لدراسة الآثار، التى أنشأها أحمد كمال باشا، وحصل على دبلوم الدراسات العليا، وفى 1919 عمل مدرسا بمدرسة أسيوط الثانوية، ثم فى مدرسة الناصرية بالقاهرة، واختارته وزارة المعارف العمومية، لوضع كتب التاريخ المصرى لمختلف مراحل التعليم فى المدارس، وفى 1921 عين فى وظيفة أمين مساعد بالمتحف المصرى بالقاهرة، وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة فيينا عام 1934، وفى أثناء إقامته بالنمسا التحق بكلية الدراسات العليا بجامعة السوربون بباريس، وعندما عاد إلى مصر عين أستاذا لكرسى الآثار عام 1935، وأتيح له عندئذ القيام بحفائر أثرية ضخمة لحساب المتحف المصرى وجامعة فؤاد الأول فى منطقة الأهرامات وأبوالهول، وسقارة، واكتشف مجموعات كاملة من الجبانات، والمعابد، والقطع الأثرية، التى ألقت الأضواء العلمية على تطور نظام الحكومة والإدارة، والنظم الاجتماعية، والعقائد الدينية فى عصر الدولة القديمة، كما قام برحلات كشفية إلى بلاد النوبة، أسفرت عن اكتشافات أثرية مهمة».

 

كل هذا العطاء عظيم الثراء، قابله الملك فاروق بالإساءة، وفى المقابل ووفقا للسويفى: «تعاطف الرئيس جمال عبدالناصر مع هذا العالم الجليل، وتفهم قدره الذى يشرف مصر والمصريين، فأصدر قرارا بإيفاده لزيارة متاحف العالم التى تعرض القطع الأثرية المصرية، وقرر تعيينه مستشارا للمتحف المصرى بالقاهرة عام 1959»، وفى عام 1960 كرمته «أكاديمية نيويورك التى تضم أكثر من 1500 عالم من 57 دولة، فانتخبته بالإجماع عضوا فيها».


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع