مقتل البغدادى.. كيف تمكن داعش من توحيد واشنطن وموسكو حول هدف القضاء عليه؟.. : روسيا طهرت الأراضى السورية.. وأمريكا ساندت الأكراد والجيش العراقى.. القوتان نجحتا فى تجريد التنظيم من حليفه العثمانى أردوغان

يبدو أن مقتل زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادى، على يد القوات الخاصة الأمريكية، يعد بمثابة نقطة تحول قوية بالنسبة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فى ظل المحاولات الدؤوبة التى يبذلها خصومه الديمقراطيين، سواء عبر حملاتهم الشرسة لتشويه صورته، أو من خلال منابرهم الإعلامية، لتقويض حملته الانتخابية، استعدادا للانتخابات الرئاسية، والمقررة فى العام المقبل، حيث أنه تمكن من كسر الأسطورة التى صنعها أوباما قبل 8 أعوام، عندما قتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، فى عملية مشابهة، كما أنه قدم دليلا دامغا على جديته فى محاربة التنظيمات الإرهابية، وفى القلب منها تنظيم داعش الإرهابى، والذى سبق وأن هادنته الإدارة السابقة، عبر تقاعسها فى القضاء عليه سواء فى سوريا أو العراق من خلال ما يسمى بقوات التحالف الدولى التى كانت تقودها واشنطن.

إلا أن الإنجاز الذى ربما نجحت الولايات المتحدة فى تحقيقه بعيدا عن صراعات الداخل الأمريكى، يتمثل فى تداعيات مقتل البغدادى على مستقبل التنظيم المتطرف فى المرحلة المقبلة، خاصة وأنها جاءت لتحمل هزيمة معنوية إلى جانب صفعات أخرى متتالية تلقاها التنظيم فى الأشهر، وربما السنوات الماضية، على عكس ما حدث مع بن لادن، حيث اكتفى أوباما بالقيمة الرمزية التى سعى لترويجها بقتل زعيم التنظيم، بالتزامن مع سياسات أمريكية مهادنة سواء للجماعات الإرهابية، أو للدول الموالية لها، وعلى رأسها تركيا، والتى جعلت منها الإدارة السابقة حليفا رئيسيا لها على حساب القوى الرئيسية بالمنطقة، وعلى رأسها مصر والمملكة العربية السعودية.

ضربة معنوية.. واشنطن وموسكو يتوحدان حول القضاء على داعش

ويعد مقتل البغدادى هو بمثابة ضربة معنوية للتنظيم المتطرف إلى جانب ضربات أخرى عسكرية، ظهرت بوضوح فى الدعم الأمريكى الصريح للميليشيات الكردية فى منطقة الشمال السورى، وهو ما ساهم دحض التنظيم فى أخر المناطق التى كان يسيطر عليها فى سوريا، وهو الدور نفسه الذى لعبته القوات الأمريكية قبل ما يقرب من عامين عندما قدمت واشنطن دعما جويا للقوات العراقية للسيطرة على المدن التى كان يحتلها التنظيم، وأهمها مدينة الموصل، والتى خرج من أكبر مساجدها (مسجد النورى)، خطاب البغدادى الشهير معلنا تأسيس ما أسماه بـ"دولة الخلافة"، فى سوريا والعراق، ومنصبا نفسه الخليفة.

c4a95e0dd0.jpg

ترامب وبوتين

وعلى الجانب الآخر، تمكنت القوات الروسية من القضاء على التنظيم فى الأراضى السورية، وذلك فى أعقاب دخولها فى عام 2015، حيث نجحت فى دحض الميليشيات المتطرفة، والتى حملت شعار المعارضة، من كافة الأراضى السورية، والتى أصبحت فى النهاية تحت سيطرة كاملة من قبل النظام السورى، والذى دعمته موسكو، منذ بداية الأزمة، وهو الأمر الذى أثار امتعاض الإدارة الأمريكية السابقة، بينما نجح الرئيس ترامب فى التعامل معه، حيث قبل بالوجود الروسى فى سوريا، باعتباره أمرا واقعا، بينما قرر بعد ذلك سحب قواته، فى خطة أعطت انطباعا حول ابتعاد واشنطن عن المشهد السورى لصالح روسيا، ليأتى بعد ذلك مقتل البغدادى، ليعيد الولايات المتحدة إلى الواجهة، ليس عبر الوجود العسكرى الدائم، ولكن من خلال عمليات نوعية يمكنها تحقيق الكثير من النجاح.

ويبدو أن داعش نجح فى تحقيق ما فشلت فيه السياسة الدولية لعقود، حيث أنها تمكنت من تحقيق تكامل غير مسبوق بين أكبر خصمين تاريخيين فى العالم (الولايات المتحدة وروسيا)، حيث أنه ساهم فى توحيدهما لتحقيق هدف واحد، وهو القضاء عليه، وهو ما بدا واضحا فى الموقف من سوريا.

من العسكرى إلى السياسى.. تقويض العدوان التركى أضاع آمال إحياء داعش

لم تقتصر حالة التكامل بين واشنطن وموسكو على الجانب العسكري، ولكنها امتدت إلى الحسابات السياسية، حيث تبقى حالة التوافق الضمنى بين موسكو وواشنطن، ولو مرحليا، حول أولوية القضاء على داعش، هو ما بدا واضحا فى قرار الانسحاب الأمريكى من منطقة الشمال السورى، فى محاولة صريحة للضغط على حلفائهم الأكراد للتفاوض مع النظام السورى، وهو ما يحقق مصلحة مباشرة لروسيا، بالإضافة إلى حصارهما لأنقرة، الحليف الدولى الرئيسى لداعش، عبر إجبارها على الخروج تدريجيا من سوريا، سواء عبر إجبارها أولا على نزع أسلحة "المعارضة" المسلحة وإنشاء منطقة منزوعة السلاح فى إدلب، فيما عرف بـ"اتفاق إدلب"، فى أغسطس 2018، والذى عقده الرئيس الروسى فلاديمير بوتين مع نظيره التركى رجب طيب أردوغان فى سوتشى، أو الاتفاق الأخير بينهما، والذى عقد قبل أيام، بقصر التواجد التركى فى شمال سوريا على مجموعة من الدوريات على الحدود بمشاركة روسية، ليصبح الدور التركى فى سوريا قاصرا على حماية الحدود.

e6ba383231.jpg

مقتل البغدادى صفعة جديدة على وجه داعش

ولعل العدوان التركى على منطقة الشمال السورى، بمثابة نقطة الأمل الأخيرة، لتنظيم داعش الإرهابى، حيث كانت خطط أنقرة تقوم فى الأساس على تحرير عناصر داعش المحتجزين لدى الأكراد، فى محاولة لإحياء التنظيم، ليكون بمثابة الذراع الذى يمكن استخدامه لتحقيق الرؤية التركية فى سوريا فى المرحلة المقبلة، إلا أن التكامل غير المسبوق فى الأدوار بين واشنطن وموسكو قوض خطة أنقرة، حيث لوح ترامب بعصا العقوبات لإجبار أردوغان على وقف إطلاق النار، بينما أجبره بوتين على الخروج صاغرا من المنطقة بأسرها.

يبدو أن تنازلات أردوغان المتواترة لصالح القوى الدولية الكبرى (أمريكا وروسيا)، لم تلقى قبولا كبيرا من قبل داعش، حيث ظهرت صورا متداولة للبغدادى بينما كان يحمل ملفا مكتوبا عليه "ولاية تركيا"، فى إشارة إلى احتمال استهداف أنقرة، بعد تخليها عنهم، وهو الأمر الذى ربما أدركه أردوغان، ودفعه إلى التضحية بزعيم التنظيم المتطرف.

اختيارات محدودة.. داعش بدون حلفاء

وهنا تكمن القيمة الحقيقية لمقتل البغدادى، حيث تزامن القضاء على رأس التنظيم الأخطر فى العالم مع تجريده من المناطق التى يسيطر عليها تدريجيا، بالإضافة حرمانه من حلفائه الرئيسيين، وعلى رأسهم تركيا، ليصبح الهجوم الأمريكى الذى استهدف زعيم داعش هو كلمة النهاية للتنظيم المتطرف، فى المرحلة المقبلة، خاصة مع قلة الاختيارات المتاحة أمامه.

acffc1f0d5.jpg

واشنطن أرغمت أردوغان على وقف إطلاق النار فى سوريا

يبدو أن داعش لم يعد أمامه اختيارات كثيرة من أجل البقاء، ربما أبرزها التحالف مع القاعدة، فى المرحلة المقبلة، وذلك بعد سنوات من انشقاقه عنها، حيث كان القاعدة هو التنظيم الأم لداعش لسنوات حتى أعلن الأخير الانشقاق عنه فى عام 2013، ليبدأ حينها فصلا جديدا فى تاريخ الجماعات المتطرفة فى العالم، تحمل طموحات أكثر توسعا من أسلافه، فى ظل عدم اكتفاء قيادات التنظيم بمحيطهم الإقليمى، ولكن لتمتد إلى استهداف أجزاء أخرى من العالم، وفى القلب منها أوروبا والولايات المتحدة.


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع