باسم عبد الحميد يكتب: فيروز قيثارة السماء

باسم عبد الحميد يكتب: فيروز قيثارة السماء
باسم عبد الحميد يكتب:  فيروز قيثارة السماء

فيروز ساحرة الشرق ،وسفيرة الأحلام، وصوت لبنان ، و (جارة القمر) ،التي تطل علينا كل مساء ،وكل صباح ، فلها مناطق صوت ،لا يستطيع أي صوت عربي الوصول إليه، مهما كانت قدراته ،ولا أحب أبدا المقارنة ،بين صوتها ،وأي صوت غنائي آخر، فالله عز وجل منحها،مساحة في الصوت والقلب ،لا مثيل لهما ...

أعشق صوت (ثومة) ،وأحب( صوت عبد الحليم) ،وأتغنى بأغنيات فريد الأطرش ،وأهيم بصوت عبد الوهاب ،ولكن تظل فيروز بالنسبة لي قيثارة السماء ،والأمل الذي لا يغيب، وصوت البهاء على الأرض، والحارس الأمين للجمال والذوق والتذوق ...

فصوت فيروز متميز للغاية ،وحتى الآن لم نسمع أو نشاهد مطربة مثلها ،فصوتها الملائكي يخترق القلب ،ويأخذني إلى عالم آخر، فلو سمعت لها (سكن الليل) ،و(أعطني الناي وغنِّي) ،و (شادي) ،أسرح بخيالي ،لمناطق أخرى مختلفة ،يصعب أن أعبر عنها في سطور ...

وحينما أشعر بالدنيا ثقيلة على صدري ،نظراً لطبيعة عَمَلِي ،وضغوط الحياة اليومية ،التي تلاحقنا من كل جانب ،عندما أستمع إلى صوت فيروز ،كأني تخلصت من كل همومي ،فصوتها التي تشدو به ،يأتي من عالم آخر، فيه سحر ،وشجن ،وأحس أنني مع هذا الصوت أتعلم فلسفة جديدة، ومسألة جديدة ،واتجاه مغاير يمس القلب ،ويرقي للسماء ،أو ينزل منها لا أدري ،لأسمع تراتيلاً وقداساً بصوتها ،و آذانا و قرآنا بصوت محمد رفعت !!

وتظل فيروز الأسطورة في عيون المبدعين ،والطفل الوديع الذي لا يعرف الخصومة والادِّعاء ،والغرور ،لأنها صاحبة نظرية خاصة ،في الحب !!!

كما تظل أيضا الأكبر من أي تصنيف ،وستبقى رمزاً من رموز التراث الوطني اللبناني ،ومعلمة الحضارة ،ورمزاً للبنان ،وهي حالة خاصة جدا ،فهي القصيدة في امرأة ،وهي  المحفز الأهم لشعراء كثر ،لأنها طقس يومي مثل قهوة الصباح ...

وكتب عنها محمود درويش :

ترى كيف يكون الصباح بدون صوت فيروز ؟!  

فيروز لا تشيخ أبدا ،بل تزداد عبقا ،وعمقا ،وتجليا ،وجمالا ،كلما مر بنا الزمان ،عليها ،وهي راسخة كشجر ألأرز ،وصوتها  مغاير كنهر العاصي ،وهامس كطير الوروار !!

- إنها الصوت الملائكي السماوي الذي  يأخذك من واقعك  إلى عوالم أخرى ،..

- ولد الوطن على يديها ،كمالقصيدة على شفتيها ..كنا نتشكل على ضفاف حنجرتها ،كما يتشكل العشب ،على ضفاف نهر كبير ..

هي صوت القصيدة  ،والفكرة التي لا تنته   ... إذ يسير بنائها الاستحضار بعيدا ، فنشعر بوجود وقوة الوطن، والإيمان، والحب ،والإنسان، والجمال ،والملحمية...

_هي الأغنية التي تنسي دائما أن تكبر ،وهي التي تجعل الصحراء أصغر ،وتجعل القمر أكبر لأنها جارته،وهي قصائد ،ودواوين ...

*لم تغن لشعراء مصريين سوى أميرهم ( أحمد شوقي) !!

وغنت ايضا للشاعر مرسي جميل عزيز ..

ومن المقارقات اللذيذة انها غنت قصيدة ( مكة ) وهي السيدة المسيحية،ومن كلمات :

             سعيد عقل المسيحي أيضا !!

- هي قيثارة السماء ،وسيدة القصر الملكي للغناء ...

هي أول فنانة عربية غنت  لفلسطين بصوتها الماتع المانع الذي خلق ليصور  الحزن يمشي على قدمين ،وفرادة الاحساس على أديم الكون ،هي نسمة تسكب الروح والحياة في كل الوجود ،تغني فيغني الكون كله ،وتصرخ فيخشاها شياطين الإنس والجن ،لأنها باختصار رسول سلام على الأرض...

- هي بالنسبة لي الصفاء النفسي ،والتصالح مع الذات ،وهي تأخذني إلى عالمي الآخر حيث الصعود والسفر ،إلى معراج خاص جداً ،فيه لا اشيخ أبدا ،حيث أنها أهدتني مفاتيح السماء ...

هي أسطورة لاشك ،ولا أخفيكم سرا أنها تمنحي بصفة شخصية  الطاقة الإبداعية، وهي أيقونة التأمل والفكر  بل والحياة ..

فيروز  التي تسكن تحت جلدي ،وتأبى ان تغادر مني لها ألف رسالة حب وسلام ...

 (غنيت مكة)

من كلمات

سعيد عقل

ألحان

الأخوين الرحباني

 

غنيت مكة أهلها الصيد و العيد  يملؤ أضلعي  عيدا

فرحوا فلألأ تحت كل سما بيت على بيت الهدى  زيدا

و على أسم رب العالمين على بنيانهم كالشهب ممدودا

يا قارئ القرآن صلي لهم  أهلي  هناك و طيب  البيدا

من راكع و يداه  أنساتاه أليس  يبقى  الباب   موصودا

أنا أينما صلى الأنام رأت عيني السماء تفتحت جودا

لو رملة هتفت بمبدعها شجوا لكنت  لشجوها   عودا

ضج الحجيج هناك فاشتبكي بفمي هنا يغر   تغريدا

و أعز رب الناس كلهم بيضا فلا فرقت  أو سودا

لا قفرة إلا و تخصبها إلا و يعطي  العطر  لاعودا

الأرض ربي وردة وعدت بك أنت تقطف فإروي موعودا

و جمال وجهك لا يزال رجا ليرجى و كل سواه مردودا