بعد وصوله لـ"القائمة القصيرة" للجائزة العالمية للأدب المترجم فى ألمانيا.. الكاتب السورى حمد عبود من النمسا: الكتابة محاولة لمقاومة اليأس.. عند عبورى بمصر أدركت أن السخرية ثورة.. ولا نحتاج حربا لننتج أدبا عظيما


حاوره أحمد إبراهيم الشريف

-

أشكر الشعب المصرى الذى استضاف السوريين ورحب بهم

-

فى مجموعتى الجديدة أردتُ أن أسخر من الموت وأن أكتب رسائل جديدة وأتطرق إلى تفاصيل منسية

 

 حمد عبود، كاتب سورى يحمل صوتا مميزا استطاع أن يجد له مكانا فى دنيا الكتابة، ورغم قسوة الحرب والظروف السيئة استطاع بكتابته أن يصل إلى لقائمة القصيرة للجائزة العالمية للأدب المترجم فى ألمانيا، وهو بذلك صار ثالث عربى يصل إليها، فقد سبقه من قبل الكاتب اللبنانى إلياس خورى والذى حصل على الجائزة وكذلك الكاتب الجزائرى ياسمين خضرا..  وسوف تعلن نتيجة الجائزة يوم 20 يونيو الجارى، و"اليوم السابع" تواصل  مع الكاتب المقيم حاليا فى النمسا وكان لـنا معه هذه الحوار.

حمد عبود
 

مجموعتك الجديدة "الموت يصنع كعكة عيد الميلاد" تنافس بقوة على الجائزة العالمية للأدب المترجم فى ألمانيا.. حدثنى عن المجموعة وإحساسك بها وظروف كتابتها؟

"الموت يصنع كعكة عيد الميلاد" هى محاولة صغيرة لمقاومة اليأس، ربط الموت بالميلاد ورؤية الحياة فى تفاصيل صغيرة حتى وإن كانت فى ابتسامة ساخرة على الواقع قد تعطى دافعا لتغييره. 

خلال فترة انتقالى من مكان إلى آخر اتجهت نحو السرد بشكل ساخر وبقيت أحاول فى تشكيل الأسلوب الجديد حتى خلال اضطرارى أخيرا لقطع الحدود إلى أوربا بشكل مخيف عبر المنطقة العسكرية التركية-اليونانية الذى عرضنى وأخى للخطر فى أكثر من مرة.

ميكانيكية فطرية للإبقاء على إنسانيتى وللنجاة بحياتى من الموت أو الجنون فى ظل ما يحدث من حولى من سقوط للإنسانية والعقل.

أدركت حال وصولى إلى مصر فى أواخر ٢٠١٢ بأن السخرية وإن كانت فى إطار سردى تتخلله شعرية المجازات المختبئة بين الفواصل هى شكل من أشكال الثورة، على الدكتاتور وعلى الموت.

بعد فترة من عدم التوازن وبعد استقرارى فى الإسكندرية أرخيت لجام قلمى لأرى إلى أين يمكنه أخدى فكانت بداية لنصوص المجموعة.

على أنْ أغتنم الفرصة هنا وأشكر الشعب المصرى الذى استضاف السوريين ورحب بهم، ومن تجربتى الشخصية وجدت بين القاهرة والإسكندرية أصدقاء مذهلين فى لطفهم ساندونى خلال إقامتى على الاستمرار فى الكتابة.

 

ما الذى يمثله لك الوصول للقائمة القصيرة لهذه الجائزة المهمة؟

سعادة كبيرة أن تُكلل رحلتى من سوريا إلى النمسا بهذا الإنجاز وأن يحصل أسلوبى الذى طورته واشتغلت به فى السنوات الخمس الماضية علـى هذا الترشيح الكبير.

وأن أكون ثالث كاتب عربى وأول كاتب سورى يصل إلى القائمة القصيرة هو شرف كبير.

مطر الغيمة الأولى
 

لك مجموعة شعرية بعنوان "مطر الغيمة الأولى".. هل لا يزال الشعر كافيا للتعبير عن الألم الذى نعيشه؟ 

بالتأكيد، لقد بدأت فى فهم هذا العالم من خلال مجموعتى الشعرية الأولى التى استغرق إنجازها خمس سنوات، تمام مثل المدة التى استغرقتْها مجموعتى الجديدة. هذا يعنى أن رؤيتى للعالم تنعكس بشكل كامل فى كتابتى الشعرية وهذا يعنى أن فهمى للعالم فى ظل الوضع الراهن قد تغيّر بشكل كبير نظرا للانتقال من أسلوب إلى آخر مختلف تماما.

أردتُ أن أسخر من الموت وأن أكتب رسائل جديدة وأتطرق إلى تفاصيل منسية أو حرجة لربما لم يكن الشعر مناسبا لها، كما أننى أتمتع بكامل الحرية مع أسلوبى الذى أستخدمه الآن، حيث أبدأ من الفلسفة وأذهب إلى الموروث الشعبى وأترك الومضات الشعرية تظهر فى النص متى ما أرادت ذلك.

لماذا اللجوء للسرد.. هل تعتقد أنه الطريقة الأكثر مناسبة حاليا للتعبير عن ذواتنا ومأساتنا؟ 

واقعنا اليوم فيه تغيرات كبيرة جدا وانتقالات مهولة على جميع الأصعدة، لذلك أعتقد بأن ترك بعض التفاصيل التاريخية والتأريخية العامة أو الشخصية من وجهة نظر الكاتب مهمة جدا، فى سبيل تكوين حقيقة أدبية لا يمكن تشويهها فى إطارها الأدبى مهما تغيرت الحقيقة التاريخية وفقا لأهواء من يتحكم بكتابتها.

نجحت فى أواخر عام ٢٠١٤ بكتابة قصيدة طويلة بعنوان "أريد أن أقود دبابة" ألخص فيها الحرب من وجهة نظرى ومحاولا بطريقة مكثفة جدا إيجاد بعض التفسيرات للحرب. 

أعتقد أن هذا النص الذى مسنى بحمى لأيام طويلة كانت آخر محاولتى الشعرية الصافية، حيث ذهبت بعدها إلى التركيز على السرد الساخر، وتناول تفاصيل منسية والتقاطات لم ينتبه إليها أبناء جيلى من الكتّاب.

 

 

فى أحد نصوصك وصفت الخروج من سوريا بـ "الهروب من ربيع تسلل إليه كل برد شتاءات العالم".. هل لك أن تصف لى إحساسك الحالى بنفسك والعالم المحيط بك؟

كان النص مقاربة بين اللاجئين الذين يهربون من ويلات الحرب ولا يستقبلهم أحد وبين الطيور التى ترفرف من بلد إلى آخر دون الحاجة إلى فيزا أو إلى حساب بنكى ضخم للدخول والنجاة من الشتاء.

العالم مكان غريب الأطوار، اسمح لى بأن أكون عفويا وأعطيك مثالا صغيرا، كيف يستطيع أحدهم أن يتجاهل ما يحدث فى العالم من موت وحروب وانحطاط ويركز حياته كلها على الدفاع عن حقوق الحيوانات، أليست حقوق الإنسان أولى منا باهتمامنا ودفاعنا، ولكن لربما اليأس يتمكن من شل التفكير أحيانا ويؤدى إلى حالات من الانفصام المزرية.

 

 الموت يصنع كعكة الميلاد

 

- الحرب وويلاتها، هل حقا تصنع أدبا عظيما؟ 

الأدب يحتاج فى معظم جوانبه إلى تجارب حياتية كبيرة وخبرات ذات طيف واسع وأفق متجدد. والحرب هى تجربة بشعة وسبب قاهر يضطر فيها الكاتب -إذا نجا بحياته - أن يمر بتجارب مختلفة أو أن يتشارك مع الآخرين تجاربهم ويتفاعل معها.

لا تحتاج لحرب لكى تنتج أدبا عظيما إنما تحتاج إلى حياة تسمح لك بأن تغوص فيها وتعود منها سالما بقصيدة أو بقصة ترويها لمن حولك ليوسعوا عالمهم مرورا بإسقاطات عالمك الشخصي.

 

- لا يزال بعض الكتاب والفنانين السوريين والعرب بوجه عام يعيشون فى معارك شخصية قائمة على الدفاع عن النظام أو المقاومة فى دمشق.. ألا تعتقد أن سوريا أصبحت فى وضع أخطر من هذا التقسيم وأنها تحتاج رؤية أخرى؟

استيقظت اليوم واعتقدتُ بأن الحرب قد طالت المنطقة العربية كلها، وكما ترى بدلا من أن تنحسر الخرب تفيض وتنال من كل يمر بجانبها ولو بعد حين من الزمن. 

الكتابة هى فعل إنسانى أولا وإذا كان هناك من الكتّاب من يريد أن يتخلى عن إنسانيته ويكتب لصالح الأنظمة الديكتاتورية فلا بد إذا أن ننزع عنه صفة الكاتب وصفة الإنسان فى الوقت نفسه.

 الرؤية الأخرى بما يخص سوريا موجودة بالفعل، فالفكر الثورى الذى أراد التغيير والديمقراطية والتقدم فى حياته إلى الأمام ما زال موجودا والذين ما زالوا صامدين فى سوريا أو فى دول الجور أو فى دول اللجوء يعرفون فى أى وضع كانوا يعيشون فيه وإلى أى حياة يريدون الانتهاء.

هذه الرؤية لن تُطبق بشكل مجدى إلا لحظة انتهاء الحرب حينها سيعود الجميع ليرمموا ما تبقى لهم فى سوريا من حياة وذكريات وخسارات.


الحياة فى بلاد الآخرين.. كيف يراها حمد عبود؟ 

بالعموم لا بد من القول إن تجربة العيش فى مجتمع جديد تختلف باختلاف الأسباب خلف هكذا تجربة، وفى حالتى كنت وما زلتُ أحاول أن أبقى على إيجابيتى وإيمانى بأن هناك إنسانية متبقية فى هذا العالم وإن احتجتُ فى بعض الأوقات لملاحقتها من مكان إلى آخر أو حتى استفزازها لجعلها تتحرر من تراكم البلادة التى تتركها خلفها الحياة القاسية.

المجتمع النمساوى بالعموم مجتمع جميل جدا واحتضننى بشكل خاص ردا على انفتاحى ورغبتى فى التعايش معهم والتواصل معهم وإيصال قصتى وأخيرا العمل معهم بشكل فعال.

ولكنى أعرف أن الظروف والحظ ليست حلية الجميع متاحة لجميع الذين تركوا بلادهم للأسف لعوائق كثيرة، ولكن هذا لا يعنى فقدان الأمل فى البحث عن التواصل البشرى الذى سيُغنى تجربتك الحياتية ويُغيّر طريقة تناولك لكل ما حولك وكله فى سبيل النجاة ولا شيء غير النجاة...

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع