سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 27 سبتمبر 1970.. رسالة رسمية من مصر للقيادة السوفيتية بمعاملة أم كلثوم كمسؤول مصرى رفيع.. واستدعاء دارس فى موسكو لترجمة «أراك عصى الدمع»

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 27 سبتمبر 1970.. رسالة رسمية من مصر للقيادة السوفيتية بمعاملة أم كلثوم كمسؤول مصرى رفيع.. واستدعاء دارس فى موسكو لترجمة «أراك عصى الدمع»
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 27 سبتمبر 1970.. رسالة رسمية من مصر للقيادة السوفيتية بمعاملة أم كلثوم كمسؤول مصرى رفيع.. واستدعاء دارس فى موسكو لترجمة «أراك عصى الدمع»

واصل المسؤولون فى وزارة الثقافة السوفيتية الاهتمام بزيارة سيدة الغناء العربى أم كلثوم إلى الاتحاد السوفيتى فى يومها الثالث «27 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1970»، حسبما يؤكد السفير وفاء حجازى، رحمه الله، الوزير المفوض فى السفارة المصرية بموسكو فى شهادته لى عن هذه الزيارة، وذلك فى لقائى به بالنادى الدبلوماسى بالقاهرة عام 1996، ونشرت شهادته فى كتابى «أم كلثوم وحكام مصر» عن «مكتبة جزيرة الورد – القاهرة»، كانت زيارة أم كلثوم لإحياء أربع حفلات فى الاتحاد السوفيتى لصالح المجهود الحربى «راجع، ذات يوم، 26 سبتمبر 2019».

 

يتذكر «حجازى»: التقيت بوزيرة الثقافة السوفيتية لنشرف معا على برنامج الزيارة التى تلقت بشأنها القيادة السوفيتية رسالة من القيادة المصريه، تؤكد فيها على ضرورة معاملة أم كلثوم كأى مسؤول رسمى مصرى رفيع تستقبله موسكو».. يكشف حجازى: جاءت التعليمات إلينا من القاهرة بأن نضع أنفسنا كسفارة تحت تصرف أم كلثوم.. كان كل شىء يتم ترتيبه بدقة كبيرة».

 

يعود «حجازى» إلى الأيام السابقة على سفرها، متذكرا: «طلبت منى وزيرة الثقافة السوفيتية إبلاغ أم كلثوم قبل سفرها أن لا تغنى فى مسرح البولوشى المتفق عليه منذ البداية، لاتساعه، ولأنه معد أصلا ومجهز لعروض البالية، واقترحت الوزيرة قاعة «تشايكوفسكى» كبديل، لأنها معدة للموسيقى والغناء، ووافقت أم كلثوم على الاقتراح، كما طلبت وزارة الثقافة أيضا الأغانى التى ستقدمها لترجمتها إلى الروسية، وأذكر أن قصيدة «أراك عصى الدمع» كانت ضمن الأغانى التى ستغنيها فى «طشقند»، وفشل المترجمون الروس فى ترجمة معانى عبارة «أراك عصى الدمع»، فأحضرنا مبعوثا مصريا يدرس فى موسكو».. يضيف: «سألت أم كلثوم حين حضرت إلى موسكو عن سبب اختيارها لهذه القصيدة رغم صعوبة معانيها، فأجابت: أنها تناسب ذوق الجمهور المسلم فى طشقند، وسوف يقترب منها الجمهور أكثر حين يعرف أنها من التراث الشعرى القديم».

 

لم يقتصر الاهتمام السوفيتى بأم كلثوم على الجوانب الفنية، وفقا لتأكيد حجازى، وإنما امتد إلى كافة التفاصيل الأخرى.. نوع الأطعمة والمشروبات.. المرافقون.. الأماكن السوفيتية التى ترغب فى زيارتها، بالإضافة إلى الأماكن المحددة سلفا من السوفيت، كمترو الأنفاق، والمكتبة الوطنية فى موسكو، والمتحف التاريخى».. يضيف حجازى: «كانت وزيرة الثقافة وكل الشخصيات الكبيرة فى وزارتها فى استقبال أم كلثوم فى المطار» يوم 25 سبتمبر، بالإضافة إلى طاقم السفارة المصرية، وعدد كبير من السفراء العرب، وخلال ثلاثة أيام نظمت وزارة الثقافة حفل استقبال لها، كما نظمت السفارة المصرية حفل استقبال حضره السفراء العرب ونجوم الفن والفكر والأدب من السوفيت»..يؤكد حجازى: «كان الاحتفاء بها رائعا.. كان مقدرا أن يحضر حفلاتها جمهور كبير من أبناء الاتحاد السوفيتى، ودارسون عرب، ومن بلاد العالم الثالث فى الجامعات السوفيتية».. يتذكر قول سفير عربى له: «الحضور الجماهيرى الكبير المتوقع لأن أم كلثوم فنانة عظيمة، ومبعوث شعبى ورسمى من شخص عبد الناصر».

 

كان «حجازى» دبلوماسيا مثقفا، يكتب باقتدار مقالات ساخرة، وتحليلات سياسية..كان ذواقا للشعر والأدب والغناء، حكاء جميلا، عاشقا لصوت أم كلثوم وعبد الوهاب، ومخلصا لجمال عبد الناصر، توفى فى «يوليو 2007»، وحتى وفاته عاش وطنيا مخلصا، نظيفا، طاهر اليد، أطلعنى وقت مقابلتى له على أنه يبيع فدانين من ميراثه فى أرض والده بقريته بالجيزة لزواج ابنه، كان بهذا التكوين يعيش حالة خاصة من السعادة، لأنه يتعامل مع أم كلثوم وجها لوجه فى موسكو..يتذكر أنه عاش عطر وشجن ذكرياته مع صوتها، واستعداد أسرته وهو صبيا لحفلها مساء الخميس الأول من كل شهر، ثم حضوره حفلاتها بعد تخرجه من الكلية الحربية.. يربط بينها وبين عبد الناصر: «وجدت فيه ما فى شخصيتها وهو أنها «بتاعة الناس»، ولأنها مواطنة مصرية أصيلة طلعت من وسط الناس، ارتبطت به كقائد أعطى لفنها لونا اجتماعيا مختلفا ولشخصيتها طعما مختلفا».

 

يؤكد: «وجدتها شخصية آسرة، لا يخرج منها تصرف خارج الأصول، تتكلم بتلقائية عن ذكرياتها وتاريخها، لا تخجل من أى شىء فيه، فيشعر الإنسان معها أنها ليست نجمة فريدة فى مجالها، بل إنسانة أنت جزء منها وهى جزء منك، وما وصلت إليه كان نتيجة جهد وعرق وكفاح ومعاناة.. كانت فى جلستها لا تتجاهل أحدا، وتشبُك الناس فى أحاديث مشتركة، وتشارك بالاستماع والكلام.. لها سرعة بديهة عجيبة..مرحة، تحب النكتة، وفى جلسات السمر لا تسمح بأى كلام خارج على شخص جمال عبد الناصر.. كنا فى جلسة نتسابق فى إلقاء النكات، وكان معنا الصحفى كمال الملاخ «رحمه الله»، ونبهها على نكتة مقصود بها جمال عبد الناصر، ففزعت وتضايقت كثيرا».

 

يضيف عودتنى على التبسط معها، أصابنى برد خفيف فداعبتنى: «أنت جالك البرد واللا إنت اللى رُحت له»، وشاهدتنى أركب سيارة «فولكس» المشهورة شعبيا بـ«الخنفسة» فعلقت: «بتركبها ولا بتجرى جنبها».. يؤكد: «بقينا على هذه السعادة فى موسكو التى فرضها حضورها، حتى وقعت المفاجأة فى اليوم التالى بوفاة جمال عبد الناصر».. فكيف تلقت أم كلثوم الخبر وكيف عاشت؟.   

 


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع