محيي الدين إبراهيم يكتب : الفنان حسن عابدين (١)

محيي الدين إبراهيم يكتب : الفنان حسن عابدين (١)
محيي الدين إبراهيم يكتب : الفنان حسن عابدين (١)

في ذكرى فنان كبير أعطى للفن بكافة مجالاته من وقته وجهده وتفكيره الكثير، فعلى الرغم من أنه لم يكن من نجوم الصف الأول، ولم يكتب اسمه على أفيشات السينما أو المسرح أو التليفزيون منفردا أو كبطلا مطلقا، إلا أنه استطاع بأدواره المتميزة التى جسد فيها شخصية الأب، والموظف المطحون، والإنسان الحريص على القيم، أن يحفر اسمه فى تاريخ الفن العربي كأحد أبرز نجوم الكوميديا والتراجيديا على مدار تاريخها.

 لم يكن (حسن عابدين) يعلم أنه خلق كي يصبح فنانا، صحيح أنه كان خفيف الظل، ويقرض الشعر ويهوى الأدب فى طفولته، لكن نشأته الصعيدية الصارمة كانت تشير إلى أنه سوف يصبح خليفة لوالده ــ أحد أعيان بني سويف ــ فى حرث الأرض الزراعية، غير أن تشجيع أساتذته له فى المدارس وتصفيق زملائه جعله يعشق الفن.

ولد بقرية تزمنت الشرقية عام 1931 فى محافظة بنى سويف، من اسرة متدينة وحفظ الشعر وأجاد الالقاء والخطابة وشارك بالمسرح المدرسى كما اشتهر بوطنيته وانضم للفدائيين من ابناء بنى سويف الذين حاربوا عام 1948 وكان يمتاز بادائه الطبيعى وقد مثل للسينما افلاما قليلة نال خلالها جائزة الجمعية المصرية للسينما عن فيلم "عنبر الموت" وتوفى عام 1989 بلندن وكان يتمنى أن يعتزل الفن معتكفا فى احد المساجد للعبادة. وفى سنوات نشأته الأولى كان لعاملين مهمين أثرهما البالغ فى تكوين شخصيته، أولهما والدته – ست البيت البسيطة – التى كانت تحتل مكانة خاصة فى نفسه، وكثيرا ما تحدث عنها بإعجاب وفخر مؤكدا أنها بثت فيه روح الاعتماد على النفس، ولم تكن تظهر خوفها عليه، فنشأ غير هياب للحياة ذا شخصية مستقلة يمكن أن تواجه كل المصاعب، فضلا عن أن هذه السيدة كانت تتمتع بروح مرحة وخفة ظل تقابل بها أشد الكوارث قسوة، فأورثت ابنها هذه الروح الفكاهة، وأورثته معها تلك النظرة البسيطة للحياة.

 أما التأثير الأخر فكان من جهة والده هذه المرة فوالده الحاج (عبدالوهاب عابدين) كان يعمل فلاحا ومن أعيان بنى سويف، وكان يتمتع بشخصية جادة جداً تهابه كل الأسرة، ولديه خمسة أولاد، وكان حسن ترتيبه الرابع وسط هؤلاء الأشقاء، وكان الحاج (عبدالوهاب) رغم كونه فلاحا إلا أنه كان يهتم بالثقافة والفكر والسياسة، ويعقد صالونا سياسيا وثقافيا كل خميس فى القرية، يجمع فيه أعيان بنى سويف وفى هذا المناخ تربى الطفل (حسن عابدين).

عندما وصل الى المرحلة الابتدائية التحق بمدرسة (الأقباط الإبتدائية للبنين) وكان يحفظ الكثير من الشعر الجاهلي ويجيد التحدث باللغة العربية بطلاقه، وكون مع بعض زملائه جمعية الخطابة وكان رئيساً لها، وكان ويقوم بتقليد الخطابات السياسية التي يلقيها السياسيون على الناس بجدارة.

 

إنقاذ الأستاذ علي عليوة

أحب (حسن) حفظ وقرض الشعر فى المرحلة الثانوية على يد الأستاذ (على عليوة) مدرس اللغة العربية، وكان رجلا محبا للشعر وشاعرا، و يساعد (حسن) على تذوق الشعر، ويهديه الدواوين الشعرية، ويسمعه آخر انتاجه الشعري، لكي يحفظه ويردده، وفي يوم من الأيام حضر إلى المدرسة مفتش اللغة العربية، وقد أرسل من وزارة المعارف لتفقد مدرسي المحافظة، ودخل المفتش الفصل ولسوء الحظ – ورغم أن (حسن) كان يجلس فى آخر الصفوف – فقد اختاره المفتش لكي يسأله عن ما يحفظه من شعر(حافظ إبراهيم) الذى كانت أشعاره مقررة عليهم، فقال له ببساطة: لا أحفظ شيئا! ولاحظ (حسن) حين قال ذلك أن الأستاذ (عليوة) بدأ يهتز من الخوف، ونظر المفتش إلى (حسن) وسأله ماذا تحفظ من أشعار (المتنبي أو أحمد شوقي أو خليل مطران) فقال له لا شيئ أيضا، وكانت حالة الأستاذ (عليوة) تزداد سوءا، ثم قال له المفتش فى نهاية المقابلة وهو فى منتهى (القرف) ماذا تحفظ إذن؟! فقال له أحفظ قصيدة رثاء فى خال الأستاذ (علي عليوة)وأضاف: وخاله هذا بالمناسبة كان ضابطا فى الجيش المصري وخدم فى السودان ومات هناك، فقال له المفتش قلها إذن، فقال القصيدة بشكل تمثيلي جيد جدا إلى حد أنه وجد الأستاذ (علي عليوه) يبكي، وتأثر المفتش بالشعر، وأعتقد أن خال الأستاذ (عليوة) حديث الوفاة وبدأ يطيب خاطره، ويقول له: معلش البقية فى حياتك،على أن خال (عليوة) كان قد مات من زمن طويل، والأستاذ(عليوة) لم يكن يبكي على خاله، بل خوفا من المفتش، وبهذه القصيدة أنقذ (حسن) نفسه وأنقذ أستاذه من مصير لا يعلم إلا الله ما هو.

 

مشكلة مع الملك فاروق

فى عام 1947م وفي هذه الفترة قدم مع فريق المدرسة مسرحية شعرية بعنوان (أعياد الفاروق) تأليف (عباس الخردلي) وحصلت هذه المسرحية على المركز الأول ووصل صيت المسرحية إلى المسئولين فى دار (الأوبرا الملكية) بالقاهرة، فقرروا عرضها فى عيد ميلاد الملك (فاروق ملك مصر والسودان)، وسافر (حسن) وزملائه لعرض المسرحية التى حضرها (الملك فاروق) وجلس فى (بنواره) الخاص، وكان  (حسن) يجسد شخصية والد البطل وهو رجل عجوز، يدخل عليه ابنه فيسأله ما الذى يجري يا ابني؟! فينشد الأبن قصيدة تتغزل بالملك (فاروق) تقول:

مصر التى شغفت حبا بطلعته

لم تال أيامه شدوا وترتيلا

صنعنا له الحب تاجا من جوانحنا

وضفرنا له الإخلاص أكليلا

النيل يجري على الوادي بنضره

وقد جرى هو فى أرواحنا نيلا

فقال له (حسن) ساخطا: يا شيخ جتك نيلة على هذا الشعر والوزن، وقهقه (الملك فاروق) بضحكته المعهودة.وأقفلت الستارة، وحدث (هرج ومرج) فى الصالة، وفى الكواليس جاء اثنان من رجال القلم السياسي، لكي يسألوا (حسن)عن الذى حرضه على السخرية من (الملك فاروق) وقول هذه الجملة، وخاف (حسن) وبدأ يبكي (فساح) مكياجه واكتشفوا انه (عيل) وليس رجلا عجوزا فتركوه وخرجوا، وعندما علم (الملك فاروق) بهذه المشكلة ضحك عاليا وطلب تكملة العرض!.

 

 

 

ثورة الأب

فى نهاية المرحلة الثانوية قرر (الحاج عبدالوهاب) أن يعمل حسن في حرث الأرض بمجرد انتهائه من المرحلة الثانوية.بعد عمله كفلاح قامت حرب فلسطين عام 1948 ونظرا لأنه صاحب ميول سياسية، انضم إلى جماعة الفدائيين وسافر الى فلسطين وظل هناك عاما كاملا لم تعرف عنه العائلة أي أخبارعنه إلى أن ظن الجميع أنه استشهد ولكنه عاد عام 1949م ليعود لفلاحة الأرض مع والده حتى بعد أن قامت ثورة يوليو 1952م التي آمن بها حسن عابدين وساندها بحكم كونه من أعيان بني سويف حتى زارت فرقة (المسرح العسكري) بني سويف عام 1964م لعرض مسرحية (كرباج أفندينا) وكان من أعضاء الفرقة آنذاك الفنان سيد زيان والفنان حسن حسني اللذان وجدا رغبة عظيمة لدى حسن عابدين في أن ينضم لفرقة المسرح العسكريفقالا له إن أراد ذلك فعليه أن يأتي إليهم بشهادة تدل على أنه يعمل موظفا، ويجتاز الاختبار الذى سيجريه رئيس الفرقة، ونظرا لعشقه للفن، تحدى والده وترك العمل فى الأرض كفلاح، وعن طريق قريب له عمل موظفا فى محكمة بني سويف، وبالفعل انضم لفرقة المسرح العسكري ونقل عمله إلى محكمة القاهرة وانتقل مع زوجته احتشام، التي كانت تعمل ناظرة لإحدى المدارس، إلى العاصمة، ثم عادة مرة أخرى وتقدم إلى المسرح العسكري، حينها أبدى نبيل الألفي مدير المسرح إعجابه به، وعمل معهم ، ثم ظل يتنقل بين الفرق المسرحية حتى لعب الحظ دوره عندما شاهده المخرج عبد الرحيم الزرقاني ورشحه للعمل في مسرحية نرجسالتى قدمها مع الفنانة (سهير البابلي) فى منتصف السبعينات وهى سبب شهرته جماهيريا، وظلت تعرض على مسرح الدولة لمدة عام كامل، ومن بعدها سعت إليه الفرق المسرحية الخاصة وكان البطل الأوحد لمسرح المخرج والفنان (جلال الشرقاوي) وقدم معه العشرات من المسرحيات مثل (أفرض، قسمتي، على الرصيف، بلوتيكا) وغيرها، كما قدم مع الفنان محمد نجم مسرحية (عش المجانين).

 

فرصة العمر

مع بداية التلفزيون شارك في كثير من برامجه التى كانت تقدم فى نهايتها بعض التمثيليات القصيرة أهمها برنامج (سيدات البيوت)، حيث قدم العديد من التمثليات القصيرة فى هذا البرنامج، كما قدم دورا هاما فى مسلسل (الضحية) تأليف الكاتب عبدالمنعم الصاوي وإخراج نور الدمرداش، والعديد من السهرات التلفزيونية، وجاءته الفرصة الحقيقية فى منتصف السبعينات عن طريق مسلسل يذاع في شهر رمضان وهو كان أول مسلسل يقدم نصف حلقاته أبيض وأسود والنصف الأخر بالألوان كان بعنوان (فرصة العمر) مع الفنان محمد صبحي وكان معه نجوم كثيرون مثل (نسرين، وأنعام سالوسة، ومحمود المليجي، ومحسن محي الدين)، وحقق هذا المسلسل نجاحا كبيرا وفي نفس التوقيت كان يقوم بعرض مسرحية  (نرجس) على مسرح الدولة، فحقق بعد طول عذاب نجاحا كبيرا ونجومية واسعة، جعلته مطلب للمنتجين والمخرجين، وتوالت أعماله للتليفزيون منها (أرض النفاق، آه يازمن، فيه حاجة غلط، نهاية العالم ليست غداً، أهلاً بالسكان ، حصاد العمر، إمرأة مختلفة، العمر له بقية، أبنائي العزاء شكرا، أنا وإنت وبابا فى المشمش) وغيرها.

 

الإعلانات

النجاح الكبير الذى حققه فى المسرح والتليفزيون شجع مخرج الإعلانات الشهير (طارق نور) أن يعرض عليه خوض تجربة الإعلانات لأحد المشروبات الغازية الشهيرة: فذهب طارق اليه في المسرح أثناء عرض مسرحيتة (واحده بواحدة)، لكنه رفض العرض، لكن تحدث إليه المقاول الشهير (عثمان أحمد عثمان) وطلب منه القبول وقال له أن هذا المنتج وطني وينافس المنتجات الأجنبية فوافق من هذا المنطلق وقام بتصوير الإعلانات في إنجلترا وفرنسا، ونجحت الإعلانات بقوة، ووصلت مبيعات هذا المنتج الى ذروته وكانت انجح حملة إعلانية قام بها (طارق نور).

 

السينما

عشق (حسن عابدين) المسرح بلا حدود وبعده التلفزيون والإذاعة، ولم تغريه السينما ولم يكن له حظ فيها، ورغم كرهه للسينما قدم أكثر من خمسة عشر فيلماً، فبعد فيلمه الأول (جعلوني مجرما) قدم عام 1971 (بريء في المشنقة)، وفي عام 1972 (الشيطان امرأة)، عام 1973 (العذاب فوق شفاه تبتسم)، وعام 1975 (على من نطلق الرصاص)، (الأنثى والذئاب)، (المطلقات)، عام 1976 (سنة أولى حب) و(فيفا زلاطا)، عام 1977 (عيب يا لولو عيب)، عام 1983 (مملكة الهلوسة)، (درب الهوى)، (ريا وسكينة)، عام 1984 (الأشقاء)، عام 1986 (سترك يا رب)، عام 1989 (عنبر الموت) الذى حصل من خلاله على جائزة تسلمها ابنه (خالد) بعد رحيل والده.

 

النهاية

يروي (خالد) اللحظات الأخيرة للفنان المحبوب (حسن عابدين): أثناء عرض مسرحية (بولوتيكا) في الأسكندرية تعرض لتعب وارتفاع في درجة الحرارة فعاد إلى القاهرة ودخل المستشفي وقام بعدة تحاليل وقال الطبيب: (عنده لوكيميا)، وظل بها عشرين يوما، بعدها سافر بمصاحبة أخي الأكبر (طارق) إلى انجلترا وظل هناك حوالي شهر، وفي يوم الاثنين المواقف 6-11-1989 انتقل الى رحمة الله وعاد ليدفن في بني سويف بعد مشوار حافل مع الفن، أمتعنا فيه بأعمال مازالت تسكن ذاكراتنا ولم تبرحها رغم مرور السنين، رحم الله الفنان الكبير حسن عابدين.

 

عابدين ممثلاً للمسرح والسينما

وتوالت بعدها الأعمال المسرحية الكوميدية التي اشترك في بطولتها، والأفلام أيضا، وكان من أشهرها:

على من نطلق الرصاص- 1975

فيلم المطلقات- 1975

 فيفا زلاطة- 1976

فيلم سنة أولى حب- 1976

 عيب يا لولو.. يا لولو عيب- 1978

مسرحية عش المجانين- 1979

 ع الرصيف- 1984

مسرحية افرض- 1985

 بولوتيكا- 1989

تزوج حسن عابدين من ابنة عمه وأنجب منها 4 أبناء، هم: طارق وخالد وإيمان وهبة، ورفض أن يلتحق أي منهم بالعمل الفني أو التمثيل، وظلّ أغلب سنوات عمره محافظا لا يفضل الإفصاح عن حياته الشخصية، سريع الغضب لكنه يمتلك قلب رقيق، ولم ينل التكريم في حياته.