جدلية التقابل في تاريخ الفلسفة بقلم د/آمال بوحرب

جدلية التقابل في تاريخ الفلسفة بقلم د/آمال بوحرب
جدلية التقابل في تاريخ الفلسفة بقلم د/آمال بوحرب

 

يقول الفيلسوف والمفكر ميشال فوكو "ستظل اللعبة جديرة بالاهتمام طالما أننا لا نعرف كيف تنتهي"
هذه المقولة حقيقة زعزعت أفكارا وغرست أخرى جديدة وذلك  لأن اللعبة وهي الحياة بأكملها والغوص فيها وفي ماهيتها لا تنتهي التجارب فيها وحولها ولقد أكد ذلك  أن موضوع التقابل الفكري في الفلسفة  بما مر ولا يزال بانقلابات عديدة من  أهمها  قلب ماركس لهيجل وقلب نيتشه لأفلاطون فطرفا الفريق الأول متقاربان زمنياً، وطرفا الفريق الثاني متباعدان بما يقارب ألفي عام طبعا هناك انقلابات فلسفية أخرى لا تقل حدة، كالانقلاب الذي قاده فويرباخ والذي نجده يذوب في الانقلاب الذي قاده ماركس وكذا الانقلاب الكوكبي الذي أحدثه كوبيرنيف.
أما ‎دوستويفسكي فيقول:
لا يمكن للمرء أن يتعلم فلسفة جديدة دون أن يدفع الثمن.. وهذا ما فعله  ماركس لفكر هيغل هو قلب للنسق الهيجلي بكامله بمصطلحات ماركسية  إنه قلب للعلاقة بين البنية التحتية والبنية الفوقية أي بين إنتاج الحياة المادية وإنتاج الحياة الفكرية والروحية للمجتمع قلب للعلاقة بين الواقع والتمثل أو التصور وضمنه بين الأرض والسماء. فالقشرة الأخلاقية أو الإيديولوجية للمجتمع، إنما هي انعكاس من زوايا ومنظورات مختلفة لبنيته الاقتصادية-الاجتماعية وليس العكس. 
يقول ماركس، « إن التغميض الذي تعرض له الديالكتيك على يدي هيجل لا ينفي بتاتا أن هذا الأخير كان هو أول من عرض الأشكال العامة لحركة الجدل بصورة شاملة وواعية، لكن الجدل يوجد لديه قائما على رأسه، ويتعين قلبه من أجل اكتشاف النواة العقلانية تحت القشرة الصوفية الغامضة» أما القلب الثاني الكبير في تاريخ الفلسفة نجده لدى الفيلسوف الألماني نيتشه الذي اعتبر فلسفته بمثابة مطرقة يفتت بها الأوهام والضلالات والمثل، ويعتبر أن فلسفته هي قلب للأفلاطونية. والأفلاطونية حسب نيتشه هي الجذر الفكري للمسيحية بسبب التماثل بينهما من حيث البنية الفكرية مع فوارق قليلة فالأفلاطونية في هذا المنظور هي رمز لكل فكر يحتقر الحياة والعالم الأرضي ويستوهم عالما آخر مثاليا، وهذا هو ما يطلق عليه نيتشه النزعة العدمية بمعنى نزعة إنكار الواقع والأرض والتطلع إلى عالم آخر مثالي وكمالي.. لكن لا ضمان لوجوده فالنيتشوية هي بالضبط نقيض هذا التصور الأفلاطوني لأنها قائمة على تمجيد الحياة وتثمين العالم الواقعي وعلى حب القدر أو المصير وهذا التصور الجديد للفكر في تاريخ الوجود  الفلسفي  فعندنا قلب ماركس للديالكتيك الهيجلي كان الأساس  في توجيهه للعلاقة (المعرفية) بين الواقع والفكر.. في حين أن قلب نيتشه للأفلاطونية ذو ملامح ميتافيزيقية أكبر وهذا الاختلاف أدى إلى ظهور انتماء آخر و هو ما يسمى فلسفة التشكك أو التوجس التي يرجعها البعض إلى ديكارت الذي اعتبر الشك جوهر فعالية الفكر والبعض الآخر يرجعها إلى فويرباخ الذي دفع بالتشكك إلى حدوده الميتافيزيقية القصوى، بينما ينسبها البعض الآخر إلى ماركس أو نيتشه أو فرويد وهؤلاء المفكرون الثلاثة الذين أشاد ميشيل فوكو بدورهم الكبير في إحداث تحولات فكرية كبرى في الفكر الأوروبي وبالتالي في الفكر الكوني .
الغريب أن هؤلاء المفكرين لم يقتصروا على إضفاء معنى جديد على الظواهر الإنسانية.. بل غيروا طبيعة العلامة ذاتها وغيروا الطريقة نفسها التي كانت تؤول بها العلامات وهم الذين أحدثوا ثورة في طريقة فهم وتأويل الظواهر التاريخية والثقافية والنفسية في المجتمع عبر تأويلها تأويلاً إرجاعياً أو اختزاليا لا عبر تأويل تضخيمي بتعبير الفيلسوف بول ريكور. وهذا التأويل الإرجاعي الذي قام به هؤلاء الفلاسفة يمت بقرابة فكرية قوية مع فكرة القلب او الانقلاب لأنه يرجع الظواهر الاجتماعية والأخلاقية والنفسية إلى جذورها وأسسها التحتية الانتاجية 
ولكن هل يصح القول مع هذه الانقلابات الجديرة بالدراسة القول بأن  المعرفة هي المساحة الوحيدة لحرية الوجود ؟