حرب غزة و"صراع الحضارات" بقلم دكتور / جميل جورجى

حرب غزة و"صراع الحضارات" بقلم دكتور / جميل جورجى
حرب غزة و"صراع الحضارات" بقلم دكتور / جميل جورجى
 
مع دوران آلة الحرب الصهيونية وبدء عمليات الإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى فى غزة عاد الحديث بقوة عن "صراع الحضارات" أى تلك الفرضية التى تؤكد أن الهوية الثقافية والدينية للشعوب هى المحرك والمصدر الرئيسى للصراع فى فترة ما بعد الحرب الباردة .. فقد رأى عالم الاجتماع الأمريكى "صامويل هنتنجتون"  أن الحروب المستقبلية لن تدور رحاها بين الدول بل الثقافات والحضارات المختلفة ورأينا العديد من المقالات التى تؤكد على أن حرب غزة ما هى إلا صراع حضارى ووجودى وثقافى ودينى .. وقد حثت الكثير من الكتابات على ضرورة إعادة النظر فى الصراع "الفلسطينى""الإسرائيلى"على ضوء نظرية "صراع الحضارات" إذ أنه يتقاطع مع نظرية "هنتنجتون" التى ترى أن الصراعات تنشأ فى المقام الأول نتيجة  ما يعرف بالتصدع الثقافى .. أن تلك النوعية من الصراعات كالصراع الفلسطينى الإسرائيلى والتى تقوم على الهوية الدينية والعرقية عادة ما تتسم بالعنف الذى يعنى الاستئصال العرقى ولا تقبل التسوية من خلال التفاوض بل باختفاء أحد الطرفين لصالح الطرف الآخر.. كتب "ما هايون" وهو إستاذ مشارك بجامعة الدولة فى فروستبرج مقال بعنوان " الحرب بين إسرئيل وحماس أحيت الجدل حول صراع الحضارات"  فقد نظر كل منهما إلى حرب الاستقلال الوطنى الفلسطينى على إنها حرب دينية وحضارية وهو ما يتماشى  مع نظرية "هنتنجتون" حول "صراع الحضارات.. واستطرد "هايون" قائلاً أن  مثل ذلك الخطاب  يعد على درجة كبيرة من الخطورة  إذ يعنى تحول الحديث عن "الحروب الدينية" إلى واقع ملموس لاسيما فى ذلك الوقت الذى تعمل فيه السياسة الإسرائيلية على تقويض سمعة الدبلوماسية الأمريكية وقوتها الناعمة  ..  ويرى "هايون" أنه على الرغم من تلك الإتهامات التى توجه لحماس إلا أن هناك إجماعا دوليا على أن السبب الرئيسى فى الصراع الفلسطينى يكمن فى الفشل فى تنفيذ "حل الدولتين" وإن على الدول الكبرى أن تعمل عقب إنتهاء الحرب على تنفيذه.. وقد أكد"بايدن" على ضرورة اتفاق الدول الكبرى والإقليمية والعربية والإتحاد الأوروبى وفرنسا والمملكة المتحدة والصين وروسيا على تنفيذ حل"الدولتين الذى "طالما ألحت عليه الأمم المتحدة باعتباره تحركا ضروريا لا رجعة فيه .. ويرى البعض أن النهج الذى تنتهجه  حماس يشبه إلى حد كبير النهج الذى سبق وأن إنتهجته المنظمات الصهيونية الإرهابية من قبل مثل "الهجانة" و"أرجون أواى لينومى" و"لوهامى حيروت" فى الاستيلاء على الأراضى الفلسطينية بدعوى تحقيق الاستقلال الوطنى ..  ويؤكد "هايون"على أن السياق الحقيقى لذلك الصراع  الدائر ما بين حماس وإسرائيل من أجل تحرير فلسطين هو بالفعل صراع دينى وحضارى إذ إن عملية "طوفان الأقصى" كانت بمثابة رد مباشر على تلك الاعتداءات الإسرائيلية على مدينة القدس ومحاولة تهويد المسجد الأقصى .. واستطرد "هايون" قائلاً باستثناء تلك الهجمات المتفرقة التى قامت بها بعض الجماعات ضد بعض الأهداف الإسرائيلية والأمريكية "كالحوثيين" فى اليمن وكتائب "حزب الله "فى العراق ولبنان وسوريا إلا أنه لم تنضم أى دولة سواء من داخل المنطقة أو خارجها إلى"حماس" ضد إسرائيل والولايات المتحدة فى الوقت الذى  أعلن فيه "نتنياهو" الحرب اليهودية المقدسة رداً على عملية "طوفان الأقصى" .. لقد إستخدم "نتنياهو" بالفعل العديد من المصطلحات الدينية لتوصيف بل إن شئت الدقة فقل لتبرير القصف الإسرائيلى والغزو البرى لقطاع غزة من خلال تصريحاته  فى 16 أكتوبر بأنه صراع بين أبناء النور وأبناء الظلمة والذى إقتبسه من كتاب "رينهولد نيبور" أبناء النور وأبناء الظلام ".. من ضمن التصريحات التى تؤكد على تلك  المسحة الدينية هى تشبيه "نتنياهو" "لحماس" "بعماليق" وتذكيرها بما فعلته بإسرائيل لحضهم وحثهم على قتل وإبادة "عماليق" أى "حماس" وحرق وتدمير الحرث والنسل وشرعنة عمليات الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينى الأعزل ..قبل أن يطرح "هنتنجتون "سرديته حول "صراع الحضارات"فى 1996 فقد سبقه الكاتب الصحفى والناقد الأمريكى "ليون ت. هدار" فى سرديته التى طرحها فى 1992 حول ما أسماه "بالخطر الأخضر" ويقصد به تهديد"الإسلام الأصولى" للسياسية الخارجية الأمريكية و"الخطر الأصفر" أى ذلك البعبع العالمى الجديد ويقصد به "الصين" الذى يهدد الأمن الاقتصادى الأمريكى.. ويؤكد الكاتب الإسرائيلى" أوفير أكونى" فى مقاله الذى نشر بصحيفة "جيروزليم بوست" على أن الحرب بين حماس وإسرائيل ما هى إلا صراع حضارى من أجل خلق"شرق أوسط جديد" وأن قيام "السلطة الفلسطينية بموجت إتفاقيات أوسلو فى 1993 قد دعم "المنظمات الإرهابية " للإسلام الراديكالى" .. واستطرد "أوفير"قائلاً لم يكن ماحدث فى السابع من أكتوبر مجرد انفجار بل إقتحام لمجتمعاتنا وقواعد جيش"الدفاع الإسرائيلى" على الحدود ما بين إسرائيل وقطاع غزة .. واستطرد قائلاً فى السابع من أكتوبر قد دفعناً ثمناً غالياً من الحزن والأسى وقسوة الصدمة التى لن تبرح ذاكرة الشعب الإسرائيلى للأبد وقد كان من منظور "صراع الحضارات" بمثابة خسارة للحضارة الغربية وانتصاراً للبرابرة ويقصد "حماس" .. ويرى" أوفير" أن على الرغم مما حدث  فلا يجب علينا  أن يداخلنا الشك فيما حدث وأن ندرك أنه ما هو إلا مجرد خسارة مؤقتة تعكس وحشية حروب العصور الوسطى إلا أن تلك الحروب كان لها قواعد .. واستطرد "أوفير" قائلاً بعد  هجوم السابع من أكتوبر لم يعد "لخيار الاحتواء" مكاناً إذ لم يعد من الممكن احتواء "صراع الحضارات "الذى نواجهه الآن كما حاولت إسرائيل والغرب من قبل لقد تحطم وانهار تحت سطوة تهديد هذه القوى "غير العقلانية".. وقد خلص عالم السياسة "جويل كوتكين" إلى أن الأحداث الأخيرة وأبرزها "الحرب الأوكرانية" والحرب فى منطقة"الشرق الأوسط"تخبرنا بأنه قد آن الأوان لدفن تلك المفاهيم فقد تنبأ "هنتنجتون" فى مؤلفه "الصدام بين الحضارات" "بالحرب الأوكرانية وبأن الهجوم السوفيتى على أوكرانيا لا يعكس الإيدلوجية السوفيتية الجديدة بل النظرة الأرثوذكسية الروسية العنصرية .. ويشير "روبرت سيرفيس" إلى أن تلك المخاوف بشأن توسع الناتو على حساب الإتحاد السوفيتى السابق تتماهى مع تلك المخاوف القومية التقليدية التى تتدعى بأن "أوكرانيا" تعد جزء أساسى من دولتهم  التى تعود إلى أقدم حضارة فى "كييف" منذ القرن التاسع .. ويؤكد " كوتكين" على أن الصراع الخطير الذى يجرى الأن فى منطقة الشرق الأوسط يعزز من سردية "صراع الحضارات" وفى الوقت نفسه قضى إستيلاء حماس على الحركة الفلسطينية على أية نية ولو بحجم أصغر"ورقة توت" فى التوصل إلى "حل الدولتين"إذ أن هدف "حماس" هو استئصال إسرائيل وسكانها من اليهود.. وقد أكد الدكتور "حامد عبد الله ربيع "أستاذ النظرية السياسية على أن ذلك الصراع الممتد عبر قرن وربع تقريباً رغم كونه " صراعاً حضارياً " فى قلب الأمة العربية والإسلامية تمارس من خلاله إسرائيل أدواراً وتأثيرات شتى نحو شرعنة وجودها فى المنطقة.