أيمن السميري يكتب: سيدتي المذيعة.. اسكتي

أيمن السميري يكتب: سيدتي المذيعة.. اسكتي
أيمن السميري يكتب: سيدتي المذيعة.. اسكتي

 

إذا كنت مثلي، ممن يشعرون بغُصة من الأداء والتناول الإعلامي في المُجمل، أو تغضب فقط لأن السيدة المذيعة تستخدم كلتا يديها، وهي تتعالم وتتثاقف، وتُعطي دروسًا، وتُقاطع وتتحدث أكثر من ضيفها، وتدلو بألف دلو في نفس اللحظة، مع أن البئر ناضبة، والماء آسن، ولا يوجد ثمة ما يلفت نظرنا سوى الخاتم الماسي المتوهج بلمعته، أو كان يسوءك أنها إمعانا في التعالُّم تُمسك بيدها قلمًا، وتلوح به فى وجه ضيفها المُشتاق منذ قرون للجلوس في استديو الهواء ضيفا، وبين الفينة والفينة تقلب بإصبعها صفحة مُدعاة على الأيباد الذي لم يصممه ستيف جوبز ليستر ضحلا أويصب أفكارًا من العدم في عقول مسطحة. 

 إذا كنت مثلي تشعر بالضيق للصوت النحاسي العالي، وعدم اللياقة في مُخاطبة الضيف باستخدام لفظة "أنت" بدلا من حضرتك، والخلط بين دور مقدم البرنامج الحاذق الذي يحاور وينتزع الحقيقة بالهدوء والمنطق والمعلومات الموثقة، ويعرف متي يسكت، ومتي يتدخل بلطف؛ ودور وكيل النيابة الذي يلاحق ويحاصر، حتي ينهار المتهم. كل ذلك والضيف في الاستديو أو على التيلفون يرد على السيدة المذيعة بإكبار ووجل، مستخدما عبارات حضرتك ويا أفندم وسيادتك.

عذراً للاستطراد، إذا كنت مثلي تضيق ذرعًا؛ فتهرب إلى قنوات أجنبية، أو تبحث عن فيلم أبيض وأسود كي تستحضر زمنًا جميلا، كانت فيه ليلى هانم رستم تقول لضيفها "حضرتك"، وكانت فيه أماني هانم ناشد، تودع ضيفها بعبارة "كل التمنيات الطيبة" أو سلوى هانم حجازي، بعذوبتها الطفلة، أو همت هانم مصطفى، أو سهير هانم الإتربي، وغيرهن من أيقونات الزمن الجميل، كن هوانم بحق، حيث اللياقة والنبرة الهادئة والثقافة العميقة والإحاطة بدون إدعاء أو تعالم، بل إنك لن تنسى حتى الرجال ودبلوماسية طارق حبيب وهو ينهي أوتوجراف "بأطيب المنى وأرق تحياتي". إذا كنت كل ما سبق فلن ألومك لهروبك إلى قنوات إخبارية عربية، حيث مقدمات برامج عربيات وشاميات لن يخذلن توقعاتك.

 لا أريد التعميم فهو آفة، خاصة وأن لدينا نماذج مُضيئة تبعث على الأمل، كما لا أريد أن يُفهم من العنوان؛ أن الانتقاد وقفٌ على المذيعات فقط، فبعض مقدمي البرامج من الرجال تنضح برامجهم بتحيزاتهم، وبعضهم يعطيك من طرف اللسان حقيقة، ومن باقى اللسان عسلا مخلوطا بالسم.. لكني في المجمل، وبتواضع شديد، ودون تلامس مع حساسيات الإعلاميين للانتقاد أزعم أن الجماعة الإعلامية بحاجة إلى عقد إعلامى ومعرفي، بجانب الوليد المنتظر؛ "ميثاق الشرف". عقد إعلامي يؤسس لإعلام الحقيقة والأداء المهني الهادئ.

 وغني عن القول؛ أنه في أحيان كثيرة لأسباب مجتمعية، ليست كل الحقيقة تصلح مادة للتناول الإعلامي الإثاري، حيث تختلف وتتعدد مستويات التلقي في مجتمع يعاني من الأمية، وضعف المخرجات المعرفية لمؤسساته التعليمية حتى مستوى المتخرجين من جامعاته. وللذين يقيمون المقارنات مع الإعلام في الغرب، فإنه  حتى في الغرب وأمريكا وحتى إسرائيل، يستجيب التناول الإعلامي من خلال آليات الممارسة، وتراكم التجربة، والرقابة الذاتية، لمقتضيات الأمن الاجتماعي والقومي والمصلحة العامة ولدينا العديد من الأمثلة لموضوعات مثل صناديق الطلاسم مكتومة، ولم يتم تناولها لمقتضيات عديدة.

إجمالا؛ يمكن القول إن الإعلام المصري، ما زال واقعا تحت تأثير فورة الإعلام الخاص، والحريات الإعلامية التي أتيحت في السنوات الأخيرة، وهي بالتأكيد تطور إيجابي، ولكن الأمر الذي ألقى ظلالا على الأداء، بما شابه من مبالغة على حساب المهنية، وتباين الأداء الفردي، للواجهة الإعلامية المتمثلة في المقدمين والمعدين، ولعل مصر الزاخرة بخبراء الإعلام، تكون قادرة على تصحيح التناول الإعلامي، ليصبح أكثر رشدًا وقدرة على التوجيه نحو إحياء جديد لقدرات هذا الوطن.

للتواصل مع الكاتب

ayman.alsimery@gmail.com