أشرف الصباغ يكتب: كيف تورَّط الحريري في الانقلاب على محمد بن سلمان؟!

أشرف الصباغ يكتب: كيف تورَّط الحريري في الانقلاب على محمد بن سلمان؟!
أشرف الصباغ يكتب: كيف تورَّط الحريري في الانقلاب على محمد بن سلمان؟!

تعددت الروايات حول تقديم رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريرى استقالته من الرياض وليس من بيروت. وبين التصريحات الرسمية من مختلف الأطراف والشخصيات والتحليلات العربية والأجنبية، اتسعت دائرة الاتهامات والاصطفافات، واستعادة الماضى، ورفع سقف التوقعات ليس فقط إلى حرب طائفية جديدة فى لبنان، بل وحرب ضروس بين إيران والسعودية. فى الحقيقة، لم تكن هناك الكثير من الحلقات المنطقية فى غالبية التحليلات.

وغاب الكثير من التفاصيل عن التصريحات الرسمية، الأمر الذى زاد الأمور تعقيدًا، وجنوحًا نحو الانقسامات والاصطفافات، وخلط الأوراق.

ولم يتمكن أحد من الربط بين وضع سعد الحريرى وعملية توقيف عدد كبير من رجال الأعمال والأثرياء والمسؤولين السابقين فى المملكة العربية السعودية. على الجانب الآخر، تدور رواية مغايرة تمامًا فى الأروقة السياسية والدبلوماسية، قد تكون أقرب إلى واقع المنطقة وواقع الأحداث الجارية فيها، وقد تنضم إلى بقية الروايات المتناقضة.

الأحداث بدأت عندما طلب ولى العهد محمد بن سلمان من عدد من الأمراء الأثرياء ورجال الأعمال التبرع للدولة بمبالغ كبيرة، بسبب الظروف المالية والسياسية، التى تمر بها المملكة من جهة، ونظرًا لضخامة المشاريع والخطط الاقتصادية، التى أعلنت عنها الرياض مؤخرًا. هذا الطلب أثار مخاوف الأثرياء ورجال الأعمال، واستفزهم لكونهم لم يتعودوا على مثل هذه الخطوات. ولذلك قرروا التخلص من ولى العهد تحت غطاءات سياسية.

فبدأوا بالتواصل مع إيران للعمل على اتفاق يقضى بإزاحة الأمير محمد بن سلمان مقابل تقليص تقدمها فى المنطقة، والتخفيف من لهجتها تجاه السعودية. وكان من الصعب على أى من أطراف هذا المعسكر أن يتواصل مع الجانب الإيرانى بشكل مباشر لأسباب كثيرة من ضمنها، المراقبة الشديدة لهم فى الداخل السعودى ومن الخارج أيضًا.

ولم يكن أمامهم غير رئيس الحكومة اللبنانى سعد الحريرى، فتواصلوا معه وأشركوا فى تلك الخطة، على أن يكون دوره الأولى هو التواصل مع الإيرانيين من دون علم ولى العهد والملك. وطلبوا منه جس نبض إيران بشأن إمكانية توقيع اتفاقية سلام بين الرياض وموسكو، فى حال إزاحة ولى العهد بانقلاب أبيض. واعتبرت هذه الأوساط السياسية والدبلوماسية أن الحريرى كان جاهزًا لهذا الدور بسبب انزعاجه من الضغوط، التى يمارسها عليه ولى العهد بشكل عام، وفى ما يتعلق بضرورة مواجهة حزب الله فى الداخل اللبنانى. وكان الحريرى يواجه الكثير من الضغوط الأخرى المرتبطة بالأموال التى يحصل عليها من السعودية، والتى تدعم مواقفه فى الداخل اللبنانى. هناك تساؤلات تدور حول الجهة أو الطرف، الذى رَشَّح الحريرى لهذا الدور. إذ يرى البعض أن الحريرى لديه استثمارات وممثلون فى العديد من الدول.

واستقروا على أن دولة كبرى كان لها يد فى الترشيح، خاصة أن لديها علاقات جيدة معه، وبها استثمارات له، ولديها طموحات فى لعب دور مهم وواسع فى المنطقة. غير أن الاستخبارات الأمريكية كانت تراقب الوضع على الجانب الآخر.

وقامت بتسجيل تفاصيل اللقاءات والمكالمات والأحاديث، وعلى رأسها تفاصيل اجتماع الحريرى مع الإيرانيين واشتراكه المؤكد فى الصفقة المذكورة كلاعب أساسى وحلقة وصل. وظهر دور صهر الرئيس الأمريكى جاريد جوشنر، الذى يلعب دورًا مهمًا فى سياسة الكواليس الأمريكية.

إذ توجَّه كوشنر إلى الرياض على الفور، ومن دون موعد مسبق، والتقى ولى العهد، وأطلعه على ما يجرى. هذا اللقاء الذى تحدثت عنه شبكة (سى إن إن)، وأكدت أنه استمر لساعات طويلة. وفى اليوم التالى، تم اتخاذ القرار بتوقيف الأمراء المعنيين بالانقلاب ووقف دور سعد الحريرى، الذى تم استدعاؤه على الفور.

وفور وصوله جُرِّدَ من هواتفه، وأُفْرِغ مضمونُها. وتمت مواجهته بالدلائل القاطعة إلى أن اعترف بكل التفاصيل. لم يكن الملك سلمان بن عبد العزيز مقتنعًا برواية الانقلاب أو اتصالات الحريرى مع الإيرانيين. وكان يخشى من أن تكون الاستخبارات الأمريكية تعمل على توريط السعودية فى ملفات إضافية. فطلب أن يستمع بنفسه إلى الحريرى.

وتم إرساله بالفعل إلى الملك ليعترف أمامه مرة أخرى بتفاصيل تورطه فى خطة الانقلاب. وطلب الصفح من الملك، وناله بالفعل، مقابل أن يتوجه إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، كخطوة أولى، ليروى نفس التفاصيل لقادتها، لكى يكون الأمر موثقًا لدى مرجعية أخرى من خارج الإطار السعودى. وتمت الزيارة بالفعل، وأخبر الحريرى ولى عهد الإمارات بكل التفاصيل. الدوائر السياسية والدبلوماسية التى ترجِّح هذه الرواية، ترى أن انكشاف المخطط أدى إلى غضب وارتباك شديدين لدى المحور الإيرانى، الذى غطَّى ذلك باستنكاره لتوقيف الحريرى، وإثارة العديد من «البالونات» لخلط الأوراق من أجل الابتعاد عن تفاصيل الرواية الحقيقية، وإبعاد نفسه عن أحداثها.

فى ضوء هذه الرواية، لا يستبعد خبراء أن تكون هناك أطراف كبرى لها يد خفية فى توريط الحريرى مقابل تلميحات بوعود وضمانات. إضافة إلى أن هذه الأطراف لها مصالح كبرى مع إيران ونظام الأسد، وتحاول بشتى الطرق اختراق ليس فقط العلاقات الأمريكية - السعودية، بل وأيضًا منظومة العلاقات الداخلية فى المملكة، طامحة على ما يبدو فى «اللعب» بنفس الأدوات الأمريكية وبنفس الأسلوب. أما مصير الأمراء والأثرياء ورجال الأعمال، فلا أحد يمكنه التنبؤ به.

غير أن هناك تلميحات بإمكانية الإفراج عن بعضهم، وتوجيه اتهامات بسيطة إلى البعض الآخر، ورحيل البعض الثالث من المملكة أو هروبه بعد الإفراج عنه. لكن المسألة لا تكمن فى ذلك بقدر ما تكمن فى مصائرهم بعد الإفراج.

وفيما يتعلق بسعد الحريرى، فإنه من المتوقع أن يتم استخدامه فى ملفات سياسية معينة، إلى أن يتم العثور على بديل قادر على القيام بمهام جديدة خلال مرحلة تستلزم مواصفات خاصة. الملفت فى تلميحات المصادر، أنها تؤكد عدم إمكانية نشوب أى حرب فى الداخل اللبنانى على الرغم من ارتفاع مستوى الاحتقان الطائفى والسياسى، لأن زعماء الطوائف متورطون بأشكال ودرجات مختلفة فى ملفات، يمكنها أن تفجِّر لبنان كله.

وبالتالى، سيحرصون على عدم إيصال الأمور إلى الخطوط الحمراء.