علي الفاتح يكتب: الجمهورية الثانية وإستراتيجية الحرب المفتوحة

علي الفاتح يكتب: الجمهورية الثانية وإستراتيجية الحرب المفتوحة
علي الفاتح يكتب: الجمهورية الثانية وإستراتيجية الحرب المفتوحة

 

بينما تُشرف مصر على خطوات لحسم أزمة سد النهضة، يقرر الرئيس عبد الفتاح السيسي الاحتفال بالذكرى الثامنة لثورة الثلاثين من يونيو بين 58 مليون مصري على طريقته الخاصة.

ما يزيد على 4500 قرية و36 ألف كفر ونجع اختارها السيسي ساحة يلتحم فيها بسكانها البالغ عددهم نحو 58 مليون مواطن ليحيوا سويا ذكرى الثلاثين من يونيو بإطلاق أضخم مشروع تنموي تعرفه البلاد لتطوير الريف المصري، ولسان حاله يقول: إن الإطاحة بحكم اعتى جماعات الإرهاب لا يكفي لاستعادة الهوية الوطنية ذلك أن تحسين حياة المواطن من حيث الخدمات والمشروعات الاقتصادية التنموية هو ما يعزز انتماءه وقيم المواطنة، ومن ثم ترسيخ الهوية المصرية التي صاغتها حضارة سبعة آلاف عام.

مضى عهد الخطط الرنانة والشعارات الزاعقة التي يلقيها زعيم الأمه، من أعلى منصة يقف أسفلها آلاف البشر، (بناء الدول لا يكون بالكلام وإنما بالأفعال)، يقول الرئيس السيسي أثناء تفقده المعدات والمركبات والآليات الهندسية المستخدمة في المشروع القومي لتطوير الريف المصري.

بذكاء السياسي اختار السيسي يوم الثلاثين من يونيو للإعلان عن إطلاق هذا المشروع، ليؤكد أن الثورة الحقيقية لا تكتفي بتغيير نظام الحكم أيًا ما كان طبيعته، وإنما تستلزم عملية تغيير جذري بما يعمل على تطوير المجتمع، وإعادة بناء مؤسسات الدولة وصياغة إستراتيجية جديدة تبحث في مشكلات الحاضر، وتضع رؤية للمستقبل.

صحيح إنه قد سبق الإعلان عن هذا المشروع بعد أن وضعت الدولة رؤية متكاملة وخطط علمية للتنفيذ، وبعد توفير الميزانية الخاصة به، والتي تبلغ نحو ٦٠٠ مليار جنيه، غير أن إطلاق المشروع في ذكرى الثلاثين من يونيو رسالة مفادها أن عملية البناء مستمرة رغم كل التحديات والتهديدات الخارجية وفي القلب منها أزمة سد النهضة.

كما أن الرئيس وعوضًا عن الخطط الرنانة أراد شحن همم المصريين، ليكونوا شركاء في هذا المشروع الذي سيعمل ولأول مرة على تطوير نمط حياة ما يقرب من ٦٠٪ من سكان مصر.

مبادرة حياة كريمة التي ينطلق من خلالها هذا المشروع كانت قد بدأت قبل سنوات بمعاش تكافل وكرامة ورعاية الأسر الأكثر فقرا، وكان بوسع الرئيس الاكتفاء ببرامج المساعدة العينية، بل وكان يستطيع مضاعفة قيمه المعاش مرتين أو ثلاثة بكلفة أقل بكثير مما يتكلفه مشروع تطوير الريف المصري.

ومع بعض الكلام المعسول والخطب النارية كان سيحمد الناس فعله، ويطلقون على تكافل وكرامة معاش السيسي على غرار معاش السادات ثم معاش مبارك.

لكن الرجل اختار الطريق الأصعب بحسب تعبيره، وذهب إلى أبعد ما كان يحلم أغلبنا.

فالمشروع الضخم، والذي سيتم على ثلاث مراحل تشمل كلا منها ١٥٠٠ قرية وتوابعها من الكفور والنجوع، وخصص لكل مرحلة ٢٠٠ مليار جنية لن يكتفي بمشروعات البنية التحتية وتحسين خدمات الرعاية الصحية والتعليم والمواصلات والاتصالات، حيث سيعمل على تدشين مجمعات صناعية وزراعية توفر مزيد من فرص العمل لأبناء القرى والنجوع اضافة إلى اشراكهم في عملية تنفيذ المشروعات المختلفة.

هذا المشروع بمثابة عقد جديد بين الدولة ومواطنيها ينص على أن المواطن شريك في عملية بناء الوطن، وليس مجرد واحد من الرعية الضعيفة التي تحتاج لرعاية الدولة طوال الوقت، وفي انتظار معاش أو كرتونة طعام.

بهذا المواطن تدخل مصر عهد الجمهورية الثانية القائمة على استراتيجية الحرب المفتوحة، لمواجهة التحديات المتجددة بطبيعتها سواء داخليا او خارجيا ، وإلا نالها الضعف والهوان وسقطت لقمة سائغة بين فكي وحوش الداخل والخارج.

تهديدات الخارج دائما ما تكون سببا لنهضة الأمم الحية، وتحدثني نفسي احيانا ان الدولة المصرية كانت محظوظه بالتحديات والتهديدات التي اوجدها النظامين التركي والإيراني في محيط امننا القومي، فلولا هذه التهديدات في الشرق والغرب وحتى الجنوب، لما كانت كل تلك النهضة التي شهدها الجيش المصري من إعادة تعزيز قدراته القتالية والتسليحية، ولما كانت التحركات الدبلوماسية المصرية لإعادة صياغة خارطة المنطقة خاصة، وأن هذين النظامين يعملان في إطار مشروع الفوضى الخلاقة الذي تبنته الولايات المتحدة مع بداية العقد الأول من الألفية الثالثة.

تلك التحديات الخارجية كان يلزمها بناء استراتيجية حرب أخرى مفتوحة في الداخل بدءا من محاربة الفساد وصولا إلى اعادة بناء وصياغة المواطن وما يتبناه من قيم ومفاهيم.

برنامج الإصلاح الاقتصادي، وما شكله من ضغوط على المصريين إضافة إلى المشروعات التنموية والاقتصادية الكبرى كل ذلك يجعل المواطن أيضًا في حالة حرب مستمرة حتى يتمكن من الفوز بحياة كريمة إذ يتعين عليه طوال الوقت، تنمية مهاراته ورفع مستوى كفاءته ليضمن لنفسه فرصة عمل بدخل كريم، وعليه أن يعيد تعريف احتياجاته لمواجهة تراوح الأسعار، فنحن الآن نعيش في ظل سوق حرة تنافسية.

الجمهورية الثانية لا يلزمها المواطن الذي يلهث وراء الشهادة الجامعية ثم يجلس على المقهى منتظرا الوظيفة الحكومية الأزلية والراتب الثابت، لابد وأن يختار نوعية التعليم والتدريب الذي يؤهله لسوق العمل.

الجمهورية الثانية تعني مجتمع حيوي نشيط أفراده مستعدون طوال الوقت لمواجهة ما يستجد من تحديات، كما ان مؤسساته السياسية والعسكرية والاقتصادية متأهبة طوال الوقت.

بهكذا مجتمع فقط تقوم الجمهورية الثانية على قيم جديدة طاردة لكل القيم المنحطة التي رسختها ما تسمى بجماعات الإسلام السياسي والخطاب الديني المتسلف.

أخيرًا: يشار في السياق إلى أن الرئيس السيسي اجتمع بالحكومة قبل ذكرى الثلاثين من يونيو بيوم واحد ليتابع مستجدات مشروع الدلتا الجديد الذي يعمل على استصلاح 2.5 مليون فدان، وهو ما يعني أن مصر بصدد اتخاذ خطوات حاسمة وجادة لإنهاء أزمة سد الخراب الإثيوبي حفاظا على حصتها المائية التي لابد منها لإنجاز هذا المشروع ، وغيره من المشروعات الصناعية والتنموية.